النفس اللوامة (محاسبة النفس) د. ثامر عبدالمهدي محمود حتاملة النفس اللوَّامة (محاسبة النفس) تلك النفس الحيَّة التي لا ترضى بالدون، ولا تسكن إلى الخطأ، بل تُراجع، وتُحاسب، وتعود،
النفس اللوامة(محاسبة النفس)
د. ثامر عبدالمهدي محمود حتاملة
النفس اللوَّامة
(محاسبة النفس)
تلك النفس الحيَّة التي لا ترضى بالدون، ولا تسكن إلى الخطأ، بل تُراجع، وتُحاسب، وتعود، إنها مرحلة من أنبل مراحل ارتقاء الإنسان في مدارج الإيمان والوعي.
ونحن نسميها في زمننا (الضمير)؛ فلان عنده ضمير؛ أي: نفسه لوَّامة.
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ﴾ [القيامة: 1، 2].
أقسم الله بها، وهذا القسم في القرآن ليس عبثًا، بل تعظيم لشأنها؛ فالنفس اللوامة ليست ضعيفة، بل هي ضمير يقظٌ، يذكِّر الإنسان بخطئه، ويُوقظه من غفلته، ويقوده نحو التوبة والإصلاح.
النفس اللوَّامة ليست النفس المعذِّبة التي تُغرق صاحبها في جَلد الذات، بل هي النفس التي تلوم لتصلح، لا لتُحبط، تلوم لتذكِّر بأن الإنسان خُلق ليرتقي، لا ليبقى أسير الزَّلة، فشتَّان بين اللوم البنَّاء الذي يُعيد التوازن، وبين اللوم الهدَّام الذي يزرع الندم واليأس.
قال ابن كثير: عن الحسن البصري في هذه الآية: إن المؤمن – والله - ما نراه إلا يلوم نفسه، يقول: ما أردت بكلمتي؟ ما أردت بأكلتي؟ وإن الفاجر يمضي قُدمًا ما يعاتب نفسه.
وفي رواية عن الحسن أيضًا: ليس أحد من أهل السماوات والأرض إلا يلوم نفسه يوم القيامة.
والمؤمن يُفتن وينسى لا محالة، ولكنه يعود إذا ذُكِّر بالله؛ قال نبينا صلى الله عليه وسلم: ((ما من عبدٍ مؤمن إلا وله ذنب يعتاده الفينة بعد الفينة، أو ذنب هو مقيم عليه لا يفارقه حتى يفارق، وإن المؤمن خُلِق مُفتنًا توَّابًا نسَّاءً، إذا ذُكِّر ذَكَرَ))؛ [رواه الطبراني والبيهقي، والحديث صحيح].
في حياتنا المعاصرة، حيث كثُرت المُغريات وتسارعت وتيرة الحياة، أصبح صوت النفس اللوامة هو صوت الفطرة وسط الضجيج، هو ذاك النداء الخافت الذي يذكِّرك: "ليس هذا أنت"، حين تبتعد عن قيمك ومبادئك.
ولذلك، فإن وجود هذه النفس في داخل الإنسان علامة حياة روحية، ومؤشر على أن الإيمان لم يمُت في القلب بعدُ، وأن الضمير ما زال يعمل.
النفس اللوامة – إذًا - هي الميزان الداخلي الذي يُعيدك إلى الجادة كلما انحرفتَ، وهي التي تصنع منك إنسانًا نبيلًا، لا يبرِّر أخطاءه، بل يتعلم منها.
وفي زمن تغيب فيه المحاسبة الذاتية، يصبح إحياء النفس اللوامة ضرورةً أخلاقية وروحية، فمحاسبة النفس هي التي تحفظ الإنسان من الانزلاق الأخلاقي، ومن التبلُّد القِيمي، ومن أن يكون تابعًا لهواه.
لنرتقِ بأنفسنا من مرحلة الغفلة إلى مرحلة اللوم البنَّاء، ومن مرحلة اللوم إلى مرحلة الاطمئنان؛ كما قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً ﴾ [الفجر: 27، 28].