قال المفسرون فى قوله عَز وجل فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا
العمل الصالح ما وافق السنة ، وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا أى وليخلص لله عَز وجل وحده فى هذه العبادة التى وافق فيها السنة .
فإذا إختل أحد هذين الشرطين لا يكون العمل صالحا
الشرط الأول :
أن يكون العمل موافقا للسنة ، فإذا لم يكن كذلك كان مردودا على صاحبه ولو كان مخلصا فيه لربه ، كما قال الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ و الَسَلاَّمَ
"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد "
والاحاديث الدالة فى رد كل العبادات التى حدثت من بعده - مما له صلة بالتدين وبالتقرب إلى الله عَز وجل- الآحاديث الدالة على ذلك كثيرة
وكثيرة جدا فحسبنا الأن هذا الحديث وهو مما اتفق على إخراجه الشيخان فى صحيحيهما ، وهما من أصح الكتب التى تهتم برواية الحديث عن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه ِوآله وَسَلَّمَ ،
فهما بحق أصح الكتب بعد كتاب الله تبارك وتعالى ولا صحيح من بعدهما فى مرتبتهما مهما جادل المجادلون فى ذلك .
هذان الصحيحان قد رويا قوله عَلَيْهِ الصَّلَاةُ و الَسَلاَّمَ "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" اى مردود على صاحبه مضروب به وجهه لا يرفع إلى الله تبارك وتعالى لأنه ليس على السنة ، وبالتالى ليس عملا صالحا ، هذا هو الشرط الاول فى أن يكون العمل صالحا مقبولا عند الله عَز وجل
والشرط الأخر
:أن يكون خالصا لله عَز وجل
قد جاءت أحاديث كثيرة وصحيحة تؤكد وجوبالإخلاص فى العمل لله ، وإلا كان العمل باطلا مردودا على صاحبه - ولا اريد أن أطيل - ولاأهم من بين تلك الآحاديث من حديث أبي هريرة رضى اللَّهُ عَنه الذى أخرجه الإمام مسلم فى صحيحه
( أن رسول الله عَلَيْهِ الصَّلَاةُ و الَسَلاَّمَ قال:
أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة :عالم ومجاهد وغنى ، قال : يؤتى بالعالم يوم القيامة فيقال له ماذا عملت فيما علمت ؟ فيقول : ياربى نشرته فى سبيلك ، فيقال له :
كذبت إنما علمت ليقول الناس فلان عالم وقد قيل خذوا به الى النار ، يؤتى بالمجاهد فيقال له ماذا عملت فيما أنعم الله من قوة ؟ فيقول : ياربى قاتلت فى سبيلك ، فيقال له : كذبت إنما قاتلت ليقول الناس فلان مجاهد ، وقد قيل خذوا به الى النار ، يؤتى بالغنى فيقال له ماذا فعلت فيما انعم الله عليك من مال ؟
فيقول : ياربى أنفقته فى سبيلك ، فيقال له : كذبت إنما فعلت ليقول الناس فلان كريم وقد قيل خذوا به الى النار )
وفى كل من هؤلاء الثلاثة يقال لكل واحد منهم "وقد قيل"
، يقال للعالم أنت نشرت العلم ليقول الناس فلان عالم وقد حصلت على أجرك ، فصار الناس يقولون فلان عالم ما مثله فى العلماء ، "قد قيل" أى حصلت أجرك عاجلا فخذ أجرك أجلا ألا وهو النار
ليته نجا برأس ماله لا له ولا عليه ، لكن كان عاقبة امره النار ، ذلك لأنه إتخذ العلم وسيلة للدنيا فلم يتقى الله فيه ولا قصد به وجه الله ،
فألقى به فى النار كذلك يقال للغنى وللمجاهد ، قد قيل للمجاهد إنك قصدت أن يقال فلان بطل
"قد قيل" ، كذلك الغنى قصدت أن يقال فلان كريم
"وقد قيل" فيؤخذ بهم إلى النار جميعا ، فهؤلاء الثلاثة يقول الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ و الَسَلاَّمَ هم أول من تسعر بهم النار يوم القيامة ، مع أن المفروض أن يكون هؤلاء من السابقين الأولين دخولا الجنة ، وبخاصة أهل العلم الذين قال الله عَز وجل فيهم
{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}
فحينما أخلوا بهذا الشرط الثانى وهو الإخلاص فى العبادة لله - فى الجهاد فى العلم فى الزكاة - انقلبت عبادتهم عليهم وزرا وعذابا
، لذلك فمن شرط العمل الصالح أن يكون
أولا: مطابقا للسنة ،
وثانيا :
خالصا لوجة الله تبارك وتعالى
حينما تعود الأمة الإسلامية هكذا فى علمها وفى عملها – فى علمها على الكتاب والسنة حسب التفصيل السابق ، وفى عملها حسب التفصيل السابق ،اقتداء بسنته واخلاصا لرب الانام - يومئذ تستأنف الحياة الإسلامية مسيرتها ، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله كما قال عَلَيْهِ الصَّلَاةُ و الَسَلاَّمَ وبه أختم هذه الكلمة
بشر هذه الأمة بالسناء والدين والرفعة أو الرفعة بالتمكين في الأرض ، ومن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب
والحمد لله رب العالمين .