الأمة هنا: هي المدة أو الحين أو الزمن، والمعنى: ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى مدة معدودة من الدهر ليقولون استهزاءً: ما الذي يحبسه، أي: يمنعه من النزول.
وتأتي بمعنى الجماعة، ولها تصاريف أخرى يوضحها السياق.
♦♦♦
فال تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ ﴾ [هود: 15].
قوله:﴿ نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ ﴾، أي: لا يُنقصون شيئًا مما قدره الله لهم
وهذا الإطلاق قيد في قوله تعالى في سورة الإسراء: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا ﴾ [الإسراء: 18]، أي: نعطيه من متاعها ما نريد مما كُتب في اللوح المحفوظ.
قوله: ﴿ يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ ﴾، أي: ما جئتنا يا هود ببينة وبرهان ودليل حتى نؤمن لك، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إنهم كَذَبُوا بقولهم هذا؛ لأن هود عليه الصلاة والسلام جاءهم بعدد من الآيات والبينات.
بل كذبهم الله بقوله: ﴿ وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ... ﴾، أي: إن عادًا جحدوا الآيات والبراهين والبينات التي جاء بها نبيهم هود عليه الصلاة والسلام، وهذا تكذيب من الله لهم بإنكارهم الآيات؛ والآيات تشمل المعجزات.
لقد فقهوا كل قول قاله لهم شعيب عليه الصلاة والسلام من النصائح والمواعظ، ولكن لما أفحمهم بالحجج والبراهين ولم يجدوا جوابًا يقولونه لذا قالوا هذه المقولة، وهي: ﴿ قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ ﴾، ولهذا سمي شعيب بخطيب الأنبياء.
قال الشيخ البسام: هذا الاستثناء المذكور بالنسبة لأهل الجنة في قوله: ﴿ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ﴾هو خاص بالعصاة الذين يدخلون النار، فهم خالدون في النار حتى يُطهَّروا، وبعد أن تتم مشيئة الله بتطهيرهم يدخلون الجنة، فهم خالدون في الجنة بعد ذلك أبدًا؛ إلا المدة التي تم تطهيرهم فيها.
وأما الخلود الأبدي الذي لا استثناء فيه فهو لمن يدخل الجنة برحمة الله ابتداءً، ولمن يدخل النار كافرًا.
وإن أهل البدع يستدلون بقول الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [النساء: 14]، ويتركون الآية الأخرى وهي قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: ٤٨]، ليستدل بها على بدعته.
أي: يا محمد استقم أنت ومن معك من الذين آمنوا على الحق كما أمرت، ولا تتجاوزوا ما حدده الله تعالى
وقد سئل الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن الشيب الذي أَلَمَّ برأسه فقال: "شيبتني هود وأخواتها"[1]، قيل: شيبته هذه الآية لما فيهما من قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ومآل الأمم.
قوله: ﴿ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ، ﴾ أي: خلقهم لعبادته وجعلهم مختارين للهدى والضلال، ثم يجعل رحمته للمهتدين. [1] أخرجه الحاكم (2/518)، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه.
الشيخ محمد بن صالح الشاوي