معنى كلام خديجة رضي الله عنها الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري "والله لا يخزيك الله أبدًا".. «كلَّا، أبشِر، فوالله لا يُخزيك الله أبدًا؛ إنك لتصل الرحم، وتصدق
معنى كلامخديجة رضي الله عنها
الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
"والله لا يخزيك الله أبدًا"..
«كلَّا، أبشِر، فوالله لا يُخزيك الله أبدًا؛ إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكَلَّ، وتَقري الضيف، وتُعين على نوائب الحق».
بهذه الكلمات العظيمة ثبَّتت أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها قلبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم لَما حدَّثها بشأن المَلك الذي نزل عليه بغار حراء؛ حيث قال لها معبرًا عن خشيته: «لقد خشيتُ على نفسي».
وكان دورُ المرأة والزوجة الصالحة هو تخفيف حِدَّة الضَّنك التي لَحِقت بنبي الرحمة صلى الله عليه وسلم جراء هذه المقابلة الشديدة الصعبة مع "جبريل"، وتؤكد له عناية الله به، مدللة على خصال كريمة يتَّصف بها المصطفى، وسلوكيات طيبة يمارسها في مجتمعه.
فهي توضِّح له بكل صراحة أن الله لن يُخزيه لعلة واحدة، هي أنه مواظب على جملة من العبادات الاجتماعية؛ فلن يخزي الله مَن وصل الرحم، وصدق الحديث، وحمل الكَلَّ، وأكرَم الضيف، وأعان على نوائب الدهر.
إنها تتحدث إلى زوجها بوصفها طبيبة نفوسٍ، وفيلسوفةَ فكرٍ، وعالِمة في سنن الله ونواميسه في الخليقة.
إنها بكلماتها تلك تسبق ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صنائع المعروف تقي مصارع السوء والآفات والهلكات..»[1].
هذا القلب الكبير الذي يحمل كُلَّ هذا الخير للناس لا يُخزيه الله، لن يصل الحُزن إلى قلبه، ولن يصل الخوف من الناس إلى وُجدانه، بل ستنعم حياته، وينعَم قلبه، ويزهو ويفرَح، وينجلي غبار الضَّنك عن رأسه.
"كلَّا"..
لن يَحزن قلبك، ما دام يحمل الخير للناس.
"أبشر"..
سيندمل الجرح، ويزول الوجع، وستمضي في طريق الحياة بهذا القلب الخيِّر، يَفيض منه النور إلى البشر، وتُسرَج به قلوب غلفٌ، وعيونٌ عُمي، وآذانٌ صمٌّ.
"فوالله لا يخزيك الله أبدًا".. لست أنت بالوجه الذي يردُّه الله، ولست أنت بالعبد الذي يتخلى عنه ربه، فأنت عبدٌ أكرمت عباده، أشبَعت جَوْعتهم، وأذهبت ظَمْأَتهم، وكسوت عَورتهم، ومسحت على رأس اليتيم. فكنت الأب، وعفوت عمن أساء إليك، فكنت الأم: وإذا رحمت فأنت أمٌّ أو أبٌ
هذان في الدنيا هما الرُّحماء
لا يُخزيك .. ولم ولن يخزيك الله أبدًا، فانعم بحياتك.
"إنك لتصل الرَّحم"..
فمن قطَعك وصَلته، تغني القريب الفقير، وتقوِّي القريب الضعيف، أنت سندُ أهلك، ووتد أقاربك، لم يسمعوا منك إلا كلَّ خير، ولم يَروا منك إلا كلَّ صلاح، أنت لكبيرهم ابن، ولصغيرهم أب، ولصاحبهم أخ.
"تَصدُق الحديث"..
لا تكذِب أبدًا، لا تغشَّ أبدًا، لا تزوِّر شهادة، ولا تدلِّس مقالة، لم يُعهد عليك كذبة واحدة في حياتك، ولم تتلطَّخ لحظة واحدة ببراثن الكذب.
"تحمل الكَلَّ"..
وهو العاجز، لا تُعينه فقط، وتحمله، ولا تحمله فقط، بل تحمِله وحاجته، لا ينزل عنك إلا وقد قضيت مسألته، ورحمت ذِلَّته، وأسعدتَ قلبَه.
"تَقري الضيف"..
ما أكرَم الناس إذا نزلوا بدارك، وما أعظَمهم إذا حلُّوا بحضرتك، أُوقدت القدور، وجهَّزت النمارق، وقضيتَ الحاجات، فإن بات الضيف بدارك بات آمنًا عزيزًا، وإن انصرف فمُكرمٌ مسرورٌ.
"تُعين على نوائب الحق"..
فمصائبُ الأيام كثيرة، وجراحُ الواقع كبيرة، فيأتيك طالبُ العون فتُعينه على نائبته، ويأتيك المكروب فتُعينه على كُربته، أنت الظَّهر للبائسين، فأنت لجراحهم طبيب، وأنت ليتيمهم أبٌ.
[1] صحيح، رواه الحاكم في المستدرك (1/ 213) من حديث أنس رضي الله عنه.