فضل الإسلام - منتديات أحاسيس الليل

 ننتظر تسجيلك هـنـا

( إعلانات احاسيس الليل )
 
   

فـعـآلـيـآت آلـمـنـتـدى


الإهداءات



الملاحظات

-==(( الأفضل خلال اليوم ))==-
أفضل مشارك : أفضل كاتب :
بيانات الحر
اللقب
المشاركات 737110
النقاط 365089
بيانات مسگ
اللقب
المشاركات 19080
النقاط 135133

فضل الإسلام

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد، فإننا نحمد الله -سبحانه وتعالى-

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 30-Oct-2025, 07:20 PM
سلطان الزين متواجد حالياً
Saudi Arabia     Male
اوسمتي
التميز الاداري الرد المميز عطاء بلاحدود شكر وتقدير 
 
 عضويتي » 47
 جيت فيذا » Jun 2021
 آخر حضور » اليوم (11:24 PM)
آبدآعاتي » 121,677
تقييمآتي » 74602
الاعجابات المتلقاة » 63105
الاعجابات المُرسلة » 12855
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Adobe Photoshop 7,0
جنسي  »
آلقسم آلمفضل  »
آلعمر  »
الحآلة آلآجتمآعية  »
 التقييم » سلطان الزين has a reputation beyond reputeسلطان الزين has a reputation beyond reputeسلطان الزين has a reputation beyond reputeسلطان الزين has a reputation beyond reputeسلطان الزين has a reputation beyond reputeسلطان الزين has a reputation beyond reputeسلطان الزين has a reputation beyond reputeسلطان الزين has a reputation beyond reputeسلطان الزين has a reputation beyond reputeسلطان الزين has a reputation beyond reputeسلطان الزين has a reputation beyond repute
مشروبك  » مشروبك   Male
قناتك   » قناتك 7up
 
افتراضي فضل الإسلام

Facebook Twitter


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد، فإننا نحمد الله -سبحانه وتعالى- ونشكره على تيسير هذه اللقاءات العلمية في هذا الجامع المبارك، ونسأل الله -جل وعلا- أن يرزقَنا وإياكم الإخلاص في القول والعمل، وموافقة سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- والقبول عنده -سبحانه وتعالى- إنه جواد كريم، والحمد لله.



الكتاب الذي بين أيدينا في هذا المجلس هو كتاب فضل الإسلام لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي التميمي الحنبلي النجدي -رحمه الله تعالى- المولود سنة ١١١٥ من الهجرة والمتوفى سنة ١٢٠٦ من الهجرة النبوية.



وهذا المؤلف إمام عالم جليل ،بذل نفسه ووقته في نشر السنة والتوحيد، وتعليم العلم، والدعوة إلى الله والصبر على ذلك، حتى نفع الله بمُؤلَّفاته وبدعوته خلائق لا يحصيهم إلا الله، وهذا من آثار بركة العلم وأهل العلم ،فإن الله -عز وجل- جعل لهم فضلاً على بقية الناس كفضل القمر على سائر الكواكب، فرحمه الله وجزاه الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء، ومن أشهر مُؤلَّفاته كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد، وهو كتابٌ جليل نافع عظيم لم يُؤلَّف في بابه مثلُه ،في باب توحيد العبادة، وكذلك كتاب كشف الشبهات، وهو من أنفس الكتب في الرد على شبهات أهل الضلالة وأهل الشرك والخرافة.



وله مؤلفات أخرى كثيرة، ومنها هذا الكتاب الذي بين أيدينا، كتاب (فضل الإسلام) وجمع فيه الآيات والأحاديث والآثار السلفية عن الصحابة والتابعين، وصنفها وقسمها على أبواب متعددة، ينبه فيها على فضل الإسلام ومحاسنه وعظيم منة الله على العبد به، وينبه بما أورده في الأبواب على أهمية التمسك بالإسلام الصافي من البدع والشركيات والشوائب التي أحدثها المحدثون، وهذا من أبرز سمات هذا الكتاب، أنه يبين الإسلام الصافي هو الذي يترتب عليه هذه الفضائل وهذه المحاسن وهذه الأجور، وهذا يدعو المؤمن والمسلم إلى تعلم الإسلام كما جاء عن الله وعن رسوله -صلى الله عليه وسلم- وكما عمل به سلف هذه الأمة ومتقدموها -رضي الله عنهم وأرضاهم-.



وبإذن الله تعالى نستمع إلى القراءة، والتعليق بحسب ما يتيسر ويفتح الله -عز وجل- ونسأل الله -جل وعلا- أن يجعلنا وإياكم ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، ونبدأ بقراءة هذا الكتاب، فليتفضل أخونا الكريم القارئ حفظه الله، تفضل حفظك الله.



الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى-:



باب فضل الإسلام، وقول الله تعالى ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ وقوله تعالى ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ﴾ وقوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.



وفي الصحيح عن ابن عمر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مثلكم ومثل أهل الكتابين كمثل رجل استأجر أجَراء فقال: من يعمل لي من غدوة إلى نصف النهار على قيراط؟ فعملت اليهود، ثم قال: من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط؟ فعملت النصارى، ثم قال: من يعمل لي من العصر إلى أن تغيب الشمس على قيراطين؟ فأنتم هُم، فغضبت اليهود والنصارى فقالوا: ما لنا أكثر عملا وأقل أجرا؟ قال: هل نقصتكم من حقكم؟ قالوا: لا، قال: فذلك فضلي أوتيه من أشاء".



وفيه أيضا عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "أضلّ الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا فهدانا الله ليوم الجمعة، وكذلك هُم تبعٌ لنا يوم القيامة، نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة".



وفيه تعليقاً عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة" انتهى.



وعن أبيّ بن كَعب -رضي الله عنه- قال: عليكم بالسبيل والسنة، فإنه ليس من عبد على سبيل وسنة ذكرَ الرحمن ففاضت عيناه من خشية الله فتمسّه النار، وليس من عبد على سبيل وسنة ذكر الرحمن فاقشعرّ جلدُه من خشية الله إلا كان مثَله كمثَل شجرة يبُس ورقها، فهي كذلك إذ أصابتها ريح فتحَاتّ عنها ورقها إلا تحاتّت عنه ذنوبه كما تحاتّ هذه الشجرة ورقها، وإنّ اقتصادا في سبيل وسنة خير من اجتهاد في خلاف سنة وسبيل".



وعن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: يا حبّذا نوم الأكياس وإفطارُهم كيف يغبنون سهر الحمقى وصومهم، ولَمِثقال ذرة مِن برّ مع تقوى ويقين خيرٌ أعظم وأفضل وأرجح من أمثال الجبال من عبادة المغترّين.



طيب، هذا الباب الأول، باب فضل الإسلام.



وأنتم تعلمون أن أعظم نعمة وأجل نعمة يعطاها العبد أن الله يهديه للإسلام، ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا﴾ إلى أن قال ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾.



فمن مِنن الله العظيمة، بل هو أعظم مِنّة، الهداية للإسلام، فهل أنت تستشعر هذه النعمة وتتذكرها؟ لأن استشعار هذه النعمة سببٌ لمعرفة قيمتها والمحافظة عليها.



كثيرٌ من الناس لا يعرف مقدار النعم التي حباه الله -عز وجل- إياها، فإذا تذكر هذه النعم واستحضر فضل الله عليه بها عرف مقدارها.



لنأخذ مثالًا، نعمة البصر، أنت الآن تبصر، هناك من فقد هذه النعمة ،وأنت فيك هذه النعمة، إذا تذكرت هذا وأمررته على قلبك عرفت فضل الله عليك، هكذا السمع، وهكذا المشي، وهكذا نعمة اليد، وإلى آخر النعم التي لا تحصى ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ أعظم وأجل من ذلك نعمة الإسلام، فهذا فضل الله عليك ونعمة الله عليك ومنة الله عليك.



غيرك يعيش في الظلمات، يعيش مرتكسًا في الكفر وفي الإلحاد وفي الشرك وفي العمى، وأنت هداك الله لنور الإسلام، فاحمد الله على هذه النعمة وحافظ عليها، اثبت على الحق، اثبت على الإسلام، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الدجال: "وإنه خارج خلة بين الشام والعراق، يا عباد الله فاثبتوا" هكذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأن الدجال فتنته تزلزل القلوب وتزلزل الناس ،فوصية النبي -صلى الله عليه وسلم- قال "يا عباد الله فاثبتوا".



فلا بد من معرفة قدر هذه النعمة حتى تحافظ عليها.



كثير من الناس لا يبالي ولا يستشعر هذا. قال: وقول الله تعالى ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ هذه الآية من آخر ما نزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- من القرآن.



وفي الحديث الذي في الصحيح أن يهودياً قال لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: لو أنا معاشر اليهود أنزلت علينا هذه الآية لاتخذنا ذلك اليوم عيدا، فقال عمر -رضي الله عنه-: "إني لأعلم متى نزلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، نزلت على رسول الله عاشية يوم عرفة يوم الجمعة".



ولا شك أن يوم عرفة هو يوم معظم عند المسلمين، وهو من أيام الله العظيمة ،فالحمد لله، أكمل الله الدين قبل وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بنحو تسعين ليلة، بنحو ثلاثة أشهر ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾.



إذن من فضل الإسلام أنه دين كامل ليس فيه نقص ،أتمَّه الله وأكمَله، فلا تظن أن هناك شيئًا يحتاجه المسلم على وجه الأرض إلى أن تقوم القيامة وليس موجودًا في الإسلام، لا، بل أتمَّ الله الدين وأكمَله، فالدين كامل، وهذا من فضله ومحاسنه.



الأمر الثاني: يُستفاد من هذه الآية الرد على كل مبتدع، فإن المبتدع أراد إضافة شيء في الدين لم يأمُر الله -عز وجل- به ولا رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وهذه الآية حجةٌ على كل مبتدع، فأهل السنة يحتجون على المبتدعة بمثل هذه الآية الكريمة ،فإن المبتدع إذا قال عن شيء أضافه وليس من الإسلام يقال له: هل هذا من الدين أم ليس من الدين؟



فإن قال: مِن الدين، قلنا: عليك أن تأتي بالدليل من كلام الله وكلام رسوله.



وإن قال: ليس هناك دليل من كلام الله ولا كلام رسوله فنقول له: هذا ليس من الإسلام في شيء.



وقوله -جل وعلا- ﴿وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ سيأتي أنه يشبه قول النبي -صلى الله عليه وسلم- "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رَدّ".



وسيأتي وجه الاستشهاد من هذا والربط بين الآية والحديث؛ لأن الله -عز وجل- لم يرض لنا دينا إلا الإسلام ﴿وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ﴾ ما هو الإسلام الذي رضيه؟ هو الذي أنزله على محمد -صلى الله عليه وسلم-، فما أضافه الناس مما ليس في الإسلام لا يرضاه الله، "مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد".



وهذا من فضل الإسلام ،ومن فضل الله على المسلمين.



الآية الثانية قوله تعالى ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ﴾.



هنا أمر الله -عز وجل- النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يبين إيمانه ويقينه التام بالله وبدينه وبتوحيد، وأنه ليس في شكٍ من ذلك، إن كنتم أيها الكفار في شك من دين الإسلام، من دين الرسول -صلى الله عليه وسلم- فليس النبي -صلى الله عليه وسلم- في شكٍ من دينه، ولا الصحابة في شكٍ من دينهم؛ لأن دين النبي -عليه الصلاة والسلام- والصحابة -رضي الله عنهم- دين يقين لا شك فيه.



ثم أمر الله النبي -صلى الله عليه وسلم- بالبراءة من كل ما يُعبَد من دون الله، ﴿فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ وصرح بلفظ العبادة منفية حتى يبين أن الدين قول واعتقاد وعمل، لأن العبادة عمل، وهذا معنى قولك: لا إله إلا الله، لا معبود بحق إلا الله.



اربط، أحيانا يسألك بعض الناس: ما معنى لا إله إلا الله؟ فتقول من جملة الشرح من القرآن ﴿فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ﴾ نفيٌ وإثبات ﴿فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ هذا معنى لا إله، ﴿وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ﴾ هذا معنى إلا الله.



فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يأمرهُ الله يقول: أعلمهم يا محمد بهذا، أعلمهم بالتوحيد، أعلمهم بأنك على يقين ولست في شك من شيء، وهذا فيه بالمفهوم أن الكفار هم على شك، وهذا هو الواقع، الكفار هم الذين هم في شك، أُناس يعبدون عيسى ابن مريم، وأُناس يعبدون عزيرا، وأُناس يعبدون الملائكة، وأُناس يعبدون الجن، وأُناس يعبدون الحجر، وأُناس يعبدون الشجر، وأُناس يعبدون الشمس، وأُناس يعبدون القمر، حتى هؤلاء أنفسهم عباد المسيح أو عباد عُزير تجدهم متناقضين مُضطربين مُختلفين متفاوتين، أما المسلم فليس في شكٍ من دينه، على يقين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله شهادة يقين، ما عنده شك فيها ﴿فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ ما أعبدهم ولا أتوجه بقلبي إليهم، ولا أتعلق بهم، ﴿وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ﴾ انظر للتوحيد، انظر لسلامة العقيدة وصفائها وقوة التوكل على الله -سبحانه وتعالى- والتعلق بالله، هذا المسلم، هذا معنى: لا إله إلا الله.



هناك مواضع من القرآن تحتاجها أيها المسلم حتى طالب العلم من باب أولى في شرح معنى لا إله إلا الله، وهذا منها.



ومنها قوله -سبحانه وتعالى- في سورة آل عمران ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ﴾ أي عدل ﴿بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ إذن هذا تفسير لا إله إلا الله.



﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي﴾ هذا كله يشرح لك معنى لا إله إلا الله، ويبين لك بطلان تفسيرها بأن معناها لا خالق إلا الله، أو لا حاكمية إلا لله، أو نحو ذلك من التفسيرات الخاطئة.



قال: وقوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ﴾ هذا جواب الشرط، هذا الجزاء والثواب، ﴿يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ﴾ يعني ضعفين من رحمة الله، يعني تعطون أجركم مرتين، وهذا -كفلين من رحمته- شرحه الحديث الذي بعده، في الحديث الذي بعده اليهود يقولون والنصارى يقولون: ما لنا أكثر عملاً وأقل عطاءً؟



لأن الله أعطى المؤمنين، أعطى المسلمين أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- ضعف ما أعطى اليهود وضعف ما أعطى النصارى، ﴿يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ﴾ قال ﴿وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ﴾ يعني تهتدون به، وهو نور الكتاب والسنة، انظر إلى المسلم الذي نورَه الله بالكتاب والسنة كيف يصلي، كيف يتوضأ، كيف يغتسل من الجنابة، كيف يعالج المشكلات التي تحل به، مشكلات زوجية أو مشكلات مالية أو مشكلات اجتماعية مع جيرانه أو غيره، يجد في القرآن والسنة النور في حل هذه المشكلات، وفي السير في الطريق حتى يصل إلى نهاية حياته.



﴿وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ﴾ وهذا الوحي نور في هذا العالم المليء بالظلمات ،العالم يعج الآن بظلمات عظيمة جداً، وأنت أعطاك الله نور القرآن ونور السنة، أنت أيها المسلم، بالله عليكم فكروا قليلاً، لو أن هذا الوضع الآن ليس هناك القرآن وليس هناك حديث للرسول -صلى الله عليه وسلم- ولا نعرف آية ولا نعرف حديثًا، كيف نعيش في هذا الظلام؟ كيف نهتدي في هذه الحياة؟



نتخبط تخبطاً عظيماً مليئا بالحفر ومليئاً بالحيات والعقارب تنهشُنا نهشًا، لكن الله -عز وجل- منّ علينا وأكرمنا بهذا النور ﴿وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ﴾.



وسماه الله في موضع آخر في سورة الشورى ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا﴾ سماه مرة نورا وسمّاه مرة روحا؛ لأن به الحياة الحقيقية ﴿أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ﴾ بِالإسلامِ ﴿وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا﴾ لا، لا يستوي هذا مع هذا، فالحمد لله، الله -عز وجل- يُبيِّن لنا نعمته.



﴿يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾.



ويُستفاد من النور أمرٌ عظيم، ما هو الفرقان بين الحق والباطل، والفرقان بين الكفر والايمان، والفرقان بين الشرك والتوحيد، والفرقان بين السنة والبدعة والفرقان بين الطاعة والمعصية، هذا لا يمكن إلا بنور الوحي ﴿وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ﴾.



ولهذا هناك فرق عظيم بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، هناك فرق عظيم بين المسلمين وبين المجرمين، ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾.



﴿وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ﴾ هذا من فضل الإسلام، هذا من فضل الله عليك أيها المسلم، الحمد لله على هذه النعمة العظيمة.



أما من لم يفَرق بين الحق والباطل واستوت عنده الأمور، السنة والبدعة عنده سواء والشرك والتوحيد عنده سواء والكفار والمسلمون عنده سواء وأهل البدع والشركيات والخرافات وأهل التوحيد سواء: فهذا قد طمس الله بصيرته، وليس عنده نور يهتدي به ويمشي به، فهو يعمه في الظلمات وفي الضلالات، ولهذا كان كبار الزنادقة كالباطنية هؤلاء وغلاة الصوفية هؤلاء يسوون بين الحق والباطل، وليس عندهم فرقان، حتى وصل الحال ببعضهم أن يقول: إن اليهود مثل المسلمين ولا فرق، كلهم يصلون إلى الله! والأديان كلها توصل إلى الله! فسوى بين الكفر والإيمان وبين الشرك والتوحيد، وهذا من أعظم ما يكون من انطماس البصيرة وذهاب النور، نسأل الله لنا ولكم ولجميع المسلمين العافية والسلامة.



﴿وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.



وهذا جزاء أخروي، وهو أن الله -عز وجل- يتجاوز عن العبد عن ذنوبه ويسترها عليه ويمحوها عنه، هذا معنى المغفرة: الستر والتجاوز.



فأيها المسلم، احمد الله على أن هداك للإسلام ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ﴾ أنت متق لله ومؤمن برسوله -صلى الله عليه وسلم-، ونرجو أن الله يعطيك هذا الجزاء ويعطينا وإياكم هذا الجزاء ﴿يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ وبمقدار تعلمك الإسلام وثباتك عليه يكون جزاؤك ،وليس الناس سواء في الإسلام بل هم منازل متفاوتون تفاوتاً عظيماً، فكل من كان أثبت وأعلم وأعمل بالكتاب والسنة وأصبر على ذلك: كان له من الثواب بمقدار ذلك.



قال: وفي الصحيح عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال «مثلكم ومثل أهل الكتابين» يعني اليهود والنصارى «كمثل رجل استأجر أجَراء» المراد هنا بأهل الكتابين أي أهل الإيمان منهم، لأنهم فيهم أهل إيمان وفيهم أهل كفر، فالذين أرسل موسى -عليه الصلاة والسلام- إليهم وآمنوا به هم أمة موسى المؤمنون ،وهؤلاء عدد كثير جداً كما جاء في الحديث «فرأيت سواداً قد سد الأفق فظننت أنهم أمتي، فقيل هذا موسى وقومه» فيدل على كثرة المسلمين من قوم موسى، وكذلك الشأن في النصارى، المراد به المؤمنون منهم، أما من كفروا وأشركوا وبدلوا فهؤلاء لا يدخلون في الأجر، وليس لهم ثواب ولا جزاء، بل هم من أهل النار.



قال «كمثل رجل استأجر أجراء، فقال: من يعمل لي من غدوة إلى نصف النهار على قيراط؟ فعملت اليهود، ثم قال: من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط؟ فعملت النصارى، ثم قال: من يعمل لي من صلاة العصر إلى أن تغيب الشمس على قيراطين؟ فأنتم هم.



فغضبت اليهود والنصارى وقالوا: ما لنا أكثر عملا وأقل عطاء؟



قال: هل نقصتكم من حقكم شيئا؟ قالوا: لا.



قال: ذلك فضلي أوتيه من أشاء».



ولا أحد يتحجر على الله -سبحانه وتعالى- والله يتفضل على من يشاء من عباده، ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ فنسأل الله أن يمن علينا وعليكم بالثبات على الإسلام حتى نلقى ربنا -سبحانه وتعالى-.



وهذا شرح للآية كما تقدم.



قال: وفيه أيضا عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وللنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا فهدانا الله ليوم الجمعة، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة، نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة».



الله أكبر، وهذا يبين فضل أمة المسلمين، أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- وأنهم سبقوا بالخير لمّا هداهم الله ليوم الجمعة، وهذا يبين فضل يوم الجمعة عند الله -سبحانه وتعالى-، وهذا يبين أن اليهود يتعبدون في يوم السبت ويخصون هذا اليوم كما هو حالهم إلى الآن، يخصون هذا اليوم بالعبادة، ويجعلونه عيدهم الأسبوعي، والنصارى يخصون يوم الأحد ويجعلونه عيدهم الأسبوعي، صاروا بعدنا أم قبلنا؟ صاروا بعدنا، نحن الجمعة، فنحن السابقون سبقنا، وهم الآخرون، وهذا فضل الله وتكريم الله لهذه الأمة المحمدية، أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-.



هذا حالهم في الدنيا وحالنا، أننا سبقناهم في الدنيا فصرنا يوم الجمعة، وهم بعدنا، كذلك يوم القيامة هم تبع، فهذه الأمة آخر الأمم عند الله -عز وجل- أمة الإسلام منذ خلق الله الدنيا -خلق آدم- إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فآخر أمة هي أمة المسلمين، أمة الإسلام، وهي أول الأمم دخولاً الجنة، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهل الجنة، وأن يجيرنا من النار.



قال: وفيه تعليقاً، يعني في الصحيح، وهو في صحيح البخاري، والمعلق المراد به ما اختصر المؤلّف سنده فحذف منه شيخه أو حذف مع شيخه شيخه أو أكثر من ذلك ،إلى الصحابي، أو حتى ربما ذكره عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من دون ذِكر الصحابي، يسمى هذا الحديث مُعلقا، والـمُعَلق له إسناد لكن حذفه الـمُصنف كالبخاري أو غيره لسبب، وليس الـمُعلق معناه أنه ليس له إسناد، لكن ربما سبب حذفه أنه ليس على شرطه، أو أنه أراد معنى معينا من الحديث فاختصر ،أو لم يتيسّر له من طريق يريده وأراده من طريق آخر ثم لم يحصل أن يكتبه، أو لغير ذلك من الأسباب، هذا التعليق.



قال -صلى الله عليه وسلم- «أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة».



فهذا حديثٌ صحيح، والمعلقات في صحيح البخاري غالبها صحيح، بعض العلماء يقول: إذا ذكر بصيغة التمريض مثل قيل أو روي أو ذكر فإن البخاري يقصد أنه ضعيف، وهذا قليل جدا، فهذا الحديث حديثٌ صحيح، قال «أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة».



يعني دين الإسلام ودين النبي -صلى الله عليه وسلم-.



والحنف ما هو؟



الحنفُ هو الـمَيل، ولماذا سمّي إبراهيم حنيفاً؟ ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ أي مائلاً عن الشرك مقبلاً على التوحيد ومتمسكاً به، ولهذا يقال: الحنيف هو المقبل على الله الـمُعرض عمّا سواه.



وكلمة الحنيف تدل على النفي والإثبات، كيف؟



لأنه لما أعرض عن الشرك نفاه وأبطله وكرهه ومال عنه، وتمسك بالتوحيد وأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه أن يقولوا: «أصبحنا على فطرة الإسلام وكلمة الإخلاص ودين نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وملة أبينا إبراهيم حنيفا مسلما وما كان من المشركين». حنيفا مسلما…



في سورة البيّنة يقول الله -عز وجل- ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الْدِّينَ حُنَفاء﴾ يعني جمع حنيف وهو المائل عن الشرك المتمسك بالتوحيد.



فهذا الدين دين الإسلام يتضمن في أصله وأساسه التوحيد، وهو البراءة من كل شرك وكفر وتركه والميل عنه وبغضه والبراة منه ومن أهله، والتمسك بالتوحيد، فالمسلم الموحد حنيف مائل عن الشرك معرض عنه معرض عن الكفر متبرئ من الطواغيت.



﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾ هذا الحنيفية.



السمحة: أي السهلة التي لا آصار فيها ولا أغلال ولا تشديد ولا غلو ولا تنطع، الحمد لله، فيها السماحة واليسر والسهولة، أما التنطع فمن كبائر الذنوب، والـمُتغالي والـمُتشدد تبرأ منه النبي -صلى الله عليه وسلم-.



«فمن رغب عن سنتي فليس مني» لما ذكر حال الثلاثة، قال أحدهم: أصلي ولا أرقد، والثاني يقول: أصوم ولا أفطر والثالث قال: لا أتزوج النساء! فغضب وقال «أما إني أعلمكم بالله وأشدكم له خشية، ولكني أصلي وأرقد، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء» وفي رواية «وآكُل اللحم، فمن رغب عن سنتي فليس مني».



سمح، سماحة، نأكل ونشرب، ونصلي ما تيسر ونرقد، ونصوم ما تيسر ونفطر، أما أن تشدد على نفسك فلا، هذا ليس من الإسلام في شيء.



رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- حبلًا في المسجد على سارية، قال: ما هذا؟ قيل: فلانة تصلي في الليل، فإذا فترَت تعلقت به.



فغضب النبي -صلى الله عليه وسلم-...



بعض الناس لو يقال لهم مثل هذا لقالوا: ما شاء الله عليها! والله تقية هذه!



النبي -صلى الله عليه وسلم- غضب، قال: مه! على وجه الإنكار، «عليكم من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا، ليصل أحدكم نشاطَه، فإذا فتَر فليرقد».



اللهم صلّ وسلّم عليه.



قال: وعن أبي بن كعب -رضي الله عنه- قال: عليكم بالسبيل والسنة، فإنه ليس من عبد على سبيل وسنة ذكر الرحمن ففاضت عيناه من خشية الله فتمسهُ النار.



هذا كلام من عالم جليل صحابي فاضل، أُبَيّ بن كعب من خيرة أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهي نصيحة عظيمة، وهذا يدل على فقه الصحابة ومعرفتهم بالأجور والثواب.



قوله: عليكم بالسبيل، السبيل ما هو؟ الطريق الذي كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم-، اسأل عنه والزمه، في عبادته، في صومه، في صلاته، في وضوئه، في غسله، في حجه، في صدقته، في تعامله مع زوجاته، في تعامله مع جيرانه، تعلم هذا السبيل والزمه، هذا الطريق.



عليكم بالسبيل والسنة، اعرف الدين، اعرف أعماله، أعمال الإسلام وأركان الإسلام واعمل بها ولا تزد ولا تنقص، سر على هذا الصراط المستقيم.



ما الجزاء؟ فإنه ليس من عبدٍ على سبيل وسُنة ذكر الرحمن ففاضت عيناه من خشية الله فتمسه النار.



يعني من جزاء المتبع أنه إذا دمعت عينه من خشية الله لا تمسه النار، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- "عينان لا تمسهما النار: عينٌ بكت من خشية الله، وعينٌ باتت تحرس في سبيل الله".



فهذا فضل عظيم، لمن؟



انظر أبي -رضي الله عنه- نص على شيء، يعني ليس كل من بكى، هناك بعض الناس يبكون... الخوارج يبكون، بعض المبتدعة يبكون ويستعطفون الناس ببكائهم، لا، ليس كل من بكى ودمعت عينه... إذا لم يكن على السبيل والسنة لا تلتفت إليه ولا تعبأ به.



قال: وليس من عبد على سبيل وسنة ذكر الرحمن فاقشعرّ جِلده من خشية الله إلا كان مثَلُهُ... يعني الثواب الذي يحصله لما اقشعرّ جلدُه... هذا ما دمعت عينه، هذا اقشعرّ جِلدِه.



ما حالُ هذا؟ كمثل شجرة يبس ورقها، فبينما هي كذلك إذ أصابتها الريح فتَحات عنها ورقها، إلا تحاتت عنه ذنوبه كما تحات عن هذه الشجرة ورقها.



هذا جزاؤه.



اقشعرار الجلد هذه من الأحوال الإيمانية التي تَعرِض للمؤمن، ذكرها الله -عز وجل- في القرآن في سورة الزمر، من يذكر الآية؟



الأحوال الإيمانية، تفضل...



بارك الله فيك، ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾.



وهذا يسوقنا إلى أن نعرف الأحوال الإيمانية التي تعرض للمؤمن عند ورود الواردات التي تقوى إيمانه وتجعله يخشى الله.



كم حال؟



مذكورة في القرآن، وهي طريق الصحابة، ثلاثة أحوال



الحال الأولى: وجل القلب، وهو خوفه وخشيته ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا﴾.



الحال الثانية: قشعريرة الجلد، الدليل قوله تعالى ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ﴾ قشعريرة…



تعرف الرجل الذي هب البَرد فاقشعر جلده؟ هذا يصيب المؤمن إذا تأثر بآيات الله، ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ﴾ ليس اهتزازا، لا، قشعريرة لا يراها الناس، يحس بها الإنسان في نفسه.



الحال الثالثة التي تعرض للمؤمنين مما يحبه الله: دمع العين، وهذا مذكور في عدد من الآيات، ﴿وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ﴾ ترى أعينهم تفيض من الدمع، تبدأ الدموع تتساقط تأثرا بكلام الله -عز وجل- ومواعظ الله -سبحانه وتعالى-.



هذه الأحوال التي يحبها الله، وأثنى الله على أربابها، وهي مذكورة في القرآن كما سمعتم في هذه الآيات، وأما ما سوى ذلك فهي أحوال غير محمودة ،لأن بعض الناس قد يصعق ،أو قد يرفع صوته بالصراخ والنحيب والعويل، وهذا قد حصل وسمعته أنا وسمعه غيري وسمعتموه ربما، بعض الناس إذا سمع آيات وتأثر يبدأ يرفع صوته بالعويل، يعني يريد التوبة، وربما يكون صادقا، لكن هذه حال غير محمودة، وبعض الناس ربما يتمايل، يقول: إني تأثرت القرآن حتى صرت أتمايل، وبعضهم يشتد تمايله حتى يغشى عليه، يسقط، يخر ساقطا، وهذه حال غير محمودة، فإن كان فاعلها غير مالك لنفسه فهو نقصٌ فيه وخور.



خير الناس لم يفعلوا هذا، أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي، ولا العشرة المبشرون بالجنة، ولا بقية الصحابة، ولا التابعون، لم يفعلوا هذا.



وإن كان متكلفاً لهذا مرائياً به فهذا أردى لحظّه، نسأل الله العفو والسلامة، حتى قال بعض السلف: هؤلاء الذين يتمايلون لو كان أحدهم فوق الجدار لننظر هل يتمايل أم لا، لأنه إذا تمايل سيسقط سقطة قوية فيتكسر، فتجده يحمي نفسه، معناه أن الذي يتساهل في هذا ويتظاهر به حال نقص أو حال رياء ويجب على الإنسان أن يدفعه.



وأما ما هو أشدّ وأطمّ من ذلك كالرقص والهز والقفز والأشياء التي يصنعها الضلال المعروفون من ضلال الصوفية، فهذه أحوال شيطانية ليست من الإسلام في شيء.



نرجع إلى كلام أبي بن كعب -رضي الله عنه- يُبَيِّن فضل خشية الله -عز وجل-، فإذا دمعت عينك أو اقشعرّ جلدك فأنت على خير عظيم، تحَصل الثواب العظيم، لكن بشرط، ما هو عند الصحابي؟ على سبيل وسنة.



أما على بدعة أو على خلاف ومشاقة للنبي -صلى الله عليه وسلم- فلا ينفعك بكاؤك من خشية الله، وقد يأتيك بكاء من خشية الله، والمبتدعة يبكون من خشية الله، لكن لا ينفعهم هذا، ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ﴾ لم ينفعها خشوعها؛ لأنهم ضلوا السبيل.



ثم ختم أبَي نصيحته العظيمة فقال: وإن اقتصادا في سنة وسبيل خير من اجتهاد في خلاف سنة وسبيل.



هذه قاعدة عظيمة ذكرها الصحابة -رضي الله عنهم- وقرروها، ومنهم أبي بن كعب هنا، ومنهم عبدالله بن مسعود، وغيرهم.



والاقتصاد: هو الاكتفاء بأقل ما يجب، أو ما زاد على ذلك من النوافل.



الاقتصاد: عدم الزيادة في الشيء، إذا اقتصدت واكتفيت بالشفع والوتر بعد العشاء ثم نمت طول الليل واستيقظت لصلاة الفجر هذا عند الصحابة وعند السلف الصالح خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنّة، فلو جاء واحد وقال: نحيي ليلة المولد ونصلي طوال الليل ونقرأ الأدعية... فهذا الذي صلَّى الشفع والوتر واتبع السنة ونام خيرٌ من هذا المبتدع الذي أسهر نفسه طوال الليل على هذه البدعة.



فهذا أثر عظيم، احفظوه، ونبهوا عليه جميع إخواننا المسلمين: إن اقتصاداً في سبيل وسنة خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنة.



ختم الباب بقوله: وعن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: يا حبذا نوم الأكياس وإفطارهم، كيف يغبنون سهر الحمقى وصومهم.



إي والله، يا حبذا كلمة ثناء أم كلمة ذم؟ كلمة ثناء على هذا الفعل ومحبة لأهله.



مَن هم الأكياس؟ جمع كيّس، والمؤمن كيسٌ فطن، كيف صار كيساً فطناً؟ عرف الحق فلزمه، عرف السنة فاتّبعَها، ما شاء الله عليهم، يا حظهم، يا حبذا طريقتهم، ما أجمل طريقتهم، يا حبذا ماذا؟ هو يتكلم عن صلاتهم، هو يتكلم عن صومهم، قال: نوم الأكياس!



سبحان الله، يقول: ما شاء الله، نومهم عبادة؛ لأنهم اتبعوا السنة، وإفطارهم في النهار، ما صاموا النافلة، لكن بعض الناس يصوم كل يوم أو يتكلف صيام أيام مبتدعة في الدين... هذا يفطر لكنه كيس، لماذا؟



لأنه اتبع سنة محمد -صلى الله عليه وسلم- فيمدحه أبو الدرداء.



يا حبذا، ما شاء الله على هذا الذي ينام ويفطر؛ لأنه أصابه السنة.



كيف يغبنون؟ الغَبن ما هو؟



شخص مغبون في البيع، خُدع، اشترى الشيء الذي يستحق عشرة اشتراه بألف ريال!



هذا جالس طول الليل يتعب نفسه سهرا ويتعب نفسه بالصوم في النهار، على ماذا؟ على حماقة البدعة، على ضلالة البدعة، على خرافة الشرك.



من الذي فاز؟



ذاك المقتصد الـمُتبع للسنة، فاز على هذا المبتدع الذي سهر وأتعب نفسه.



ولهذا قال: كيف يغبنون سهر الحمقى وصومهم.



ولمِثقال ذرة من بر، يعني عمل يسير من بر، مع تقوى ويقين أعظم وأفضل وأرجح من أمثال الجبال من عبادة الـمُغترين.



المغتر اغتر بالبدعة، اغتر بأحاديث مكذوبة، اغتر بأشياء باطلة في الشريعة، وأخذ يعمل ويكدح على أي شيء تعمل؟ يقول: والله أول جمعة من رجب تصلي بين المغرب والعشاء ألف ركعة وتقرأ قل هو الله أحد، وتقرأ بعد...



قائم يتعب طول الليل على هذه البدعة والأحاديث المكذوبة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا مرتاح ما تكلف هذه البدعة، صلى المغرب وصلى بعدها راتبة المغرب، وصلى العشاء وصلى راتبة العشاء والشفع والوتر ونام، يا سلام! فاز على هذا بأضعاف مضاعفة، وهذا خسر، لا ينفعه عمله عند الله -عز وجل- "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد".



من الذي فاز ومن المغبون؟ المغبون الأحمق هذا، المبتدع، المشرك الذي ذهب عند أصحاب القبور يتبرك بهم ويطلب منهم ويطوف عليهم ويناديهم، مغبون هلك، والموحد نجا، المتبع للسنة نجا، هذا معنى كلام أبي الدرداء -رضي الله عنه-.



يا حبذا نوم الأكياس وإفطارهم كيف يغبنون سهر -السهر قيام الليل أو قراءة القرآن بالبدعة أو بالشرك- كيف يغبنون سهر الحمقى.



طبعاً قراءة القرآن في الليل سنة يا إخواني والصلاة في الليل -قيام الليل- سنة عظيمة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ليس بدعة، لكن المقصود أن هناك بعض المبتدعة يكلف نفسه في أيام ما أنزل الله بها من سلطان، أو يكون على بدعة مثل بدعة الخوارج أو غيرهم من أهل الضلال فيقرأ القرآن ويصلي الليل ويصوم النهار، ولهذا فكلام أبي الدرداء يتنزل على الخوارج، لأنهم خرجوا في زمن الصحابة في عهد علي -رضي الله عنه-فكان الناس يتعجبون من حال الخوارج، لماذا؟ قيام الليل وصيام النهار، فأبو الدرداء قال: لا تغتروا بهم، مثقال ذرّة من برّ أحسن وأعظم وأرجح من أمثال الجبال من عبادة المغترين.



لا يغرّنكم هؤلاء المغترون، وقوله: المغترين يذكّرنا بآيتين فيهما ذكر هذا المعنى، الآية الأولى في سورة آل عمران، وهي قول الله -عز وجل- عن أهل الكتاب ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾.



رأيت هذه الأحاديث المكذوبة في الواتساب، ويرسلون الرسائل النصية، يغرون الناس بها، مكذوبة على النبي -صلى الله عليه وسلم- يغرون الناس بها، ما تنفعهم عند الله، ومن فعل هذا ونشر المكذوب على النبي -صلى الله عليه وسلم- ليتبوأ مقعده من النار، كما قال -عليه الصلاة والسلام-.



﴿وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾.



ماذا قال هنا؟ قال: من عباد الـمُغترين.



اغترّوا بهذا الباطل وصدقوه.



الموضع الثاني: في سورة الأعراف ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ﴾ عبدوا العِجل ﴿سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ قال بعدها ﴿وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ﴾ مثل هذه العقوبة كل من افترى على الله وعلى رسوله يعاقب بمثل هذا، فكل مبتدع يناله نصيبه من هذه الآية ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ﴾ هذا غضب عقوبة ﴿وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ﴾ وكل من افترى وغر الناس سيجزى بمثل هذا.



قال النبي -صلى الله عليه وسلم- «سبق درهم ألف درهم» في صحيح مسلم.



«سبق درهم ألف درهم» واحد يتبرع بدرهم أو ريال أو دينار، وآخر يتبرع بألف أو مليون، صاحب الريال أو الدرهم أو الدينار يسبق ذلك الرجل، من هذا الباب.



نعم، نأخذ الباب الذي بعده...



قال -رحمه الله-:



باب وجوب الدخول في الإسلام، وقول الله تعالى ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾.



وقوله تعالى ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾.



وقول الله تعالى ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ الآية.



قال مجاهد: السبُل البدع والشبهات.



وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد» أخرجاه.



وفي لفظ قال: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد».



وللبخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى»، قالوا: يا رسول الله ومن يأبى؟ قال: «من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى».



وفي الصحيح عن ابن عباس-رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم، ومُبتغٍ في الإسلام سُنة الجاهلية، ومُطّلبُ دمِ امرئ مسلم بغير حق ليهريق دمَه» رواه البخاري.



قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: قوله سنة الجاهلية يندرج فيها كل جاهلية مطلقة أو مقيدة، أي في شخص دون شخص، كتابية أو وثنية أو غيرهما، مِن كل مخالفة لما جاء به المرسلون.



وفي الصحيح عن حذيفة -رضي الله عنه- قال: يا معشر القراء استقيموا، فإن استقمتم فقد سبقتم سبقا بعيدا، فإن أخذتم يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا.



عن محمد بن وضاح أنه كان يدخل المسجد فيقف على الحِلَق فيقول، فذَكَرَه.



وقال: أنبانا سفيان بن عيينة، عن مجالد، عن الشعبي، عن مسروق، قال عبد الله -يعني ابن مسعود رضي الله عنه-:



ليس عامٌ إلا والذي بعده شرٌ منه، لا أقول عامٌ أمطر من عام، ولا عامٌ أخصب من عام، ولا أميرٌ خيرٌ من أمير، لكن ذهاب علمائكم وخياركم، ثم يَحدث أقوامٌ يقيسون الأمور بآرائهم فيُهدم الإسلام ويُثلم.



يقول –رحمه الله-:



باب وجوب الدخول في الإسلام.



لـمّا ذكر فضله وعظيم منَّة الله على عباده به أتى بوجوب الدخول في هذا الدين، ونبه على أمور تفصيلية.



فأورد قول الله -عز وجل- ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ وهذا فيه التصريح بأن كل من دان بغير دين الإسلام فهو كافر، وهذا إجماع العلماء، فاليهود والنصارى والمجوس وسائر الوثنيين والملاحدة والمشركين: كل هؤلاء كفار بصريح القرآن وصريح سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-.



هذا حكمهم في الدنيا وهذا اسمهم في الدنيا، وأما في الآخرة فهم في النار؛ لأن الله -عز وجل- قال ﴿وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾.



وقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- «والذي نفسي بيده لا يسمع بي يهودي ولا نصراني من هذه الأمة ثم لا يؤمن بما جئت به إلا كان من أهل النار».



إذن هذا يبين لك وجوب دخول العبد في دين الإسلام وأنا لا ينجيه إلا هذا ،وهذا الخطاب لجميع أهل الأرض، لجميع الثقلين الإنس والجن، في مشارق الأرض ومغاربها، يجب على كل إنسي وكل جني أن يدخل في دين محمد -صلى الله عليه وسلم- دين الإسلام، وأن يدين به ويثبت عليه حتى يلقى الله، ومن لم يفعل ذلك فحكمه في الدنيا أنه كافر ،ولا يقبل الله -عز وجل- أعماله في الآخرة، ولا يرضى الله عنه ولا عن عمله، ﴿وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ وما قدم من خير فإن الله يجازيه به في الدنيا، بالنعم التي يمده بها ،هذا المعنى واضح جداً من الآية، ثم يلي هذا ويستفاد من هذا أن من دان بالإسلام إجمالاً ولكنه في التفصيل أخذ ببعض الدين المبتدع والذي ليس من الإسلام في شيء فإن الله لا يقبل منه ما غير من الدين وما ابتدع فيه، كما تقدم معنا هذا في قوله تعالى ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾.



الآية الثانية التي أوردها الشيخ قوله تعالى ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ فالدين المعتبر المقبول عند الله المحبوب لله هو دين الإسلام، وهو الذي يرضاه الله ويقبله من العباد، وأما من لم يدن بهذا الدين فلا يرضى الله عنه وليس معتبراً ولا محبوباً ولا مرغوبا فيه، بل يبغضه الله -عز وجل-.



وهذا كما تقدم كل نصراني وكل يهودي وكل مجوسي وكل ملحد وكل مشرك ووثني، يخاطبون بهذا، يجب عليهم أن يتركوا ما هم عليه وأن يدخلوا في دين الإسلام، ويجب على من كان بعيداً أو كان في أمة كافرة أن يسأل ويبحث عن الحق الذي جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- حتى يهتدي له.



قال: وقوله تعالى ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ هذه الآية من أصرح ما يكون فيما يتعلق بشرائع الإسلام التفصيلية وما اشتمل عليه الدين من أوامر ونواهي، فلا يكفي أن الإنسان يقول: أنا أتبع الإسلام ويكفيني، لا إله إلا الله محمد رسول الله ويكفيني، لا، ما قلته حق، لكن يجب عليك أن تتبع ما جاء به الرسول؛ لأن الله قال ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي﴾ يعني صراط محمد -صلى الله عليه وسلم- ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ﴾ اتبع هذا الصراط الذي جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم-، أما أنك تأخذ بأعلاه، قول لا إله إلا الله محمد رسول الله، والاسم، وتترك بقية الصراط فلا يصلح هذا ،تأخذ الكلمة وتترك العمل؟ لا يَصلح هذا، اتبع الصراط، ﴿فَاتَّبِعُوهُ﴾ ثم قال ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ﴾



لأن قائل هذا الكلام تجده يبتدع أو يخل أو يتبع سبل الضلالة، طبعا ما المراد بالسبل هنا؟



قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: قال مجاهد: السبل البدع والشبهات.



لم يذكر الشهوات، مع أنها من سبل الضلالة، وإنما ذكر البدع والشبهات؛ لأن الشهوات مرتكبها يعرف أنه مخطئ، فالذي يشرب الخمر -والعياذ بالله- أو يسرق يدرك في قرارة نفسه أن هذا العمل غير صحيح، ولهذا هو لا يرضى أن يزنى بأمه، ولا يرضى أن يُزنى ببنته، ولا يرضى أن يسرق مالُه هو، فهو مدرك أن هذا خطأ، ومعترف بالذنب في قرارة نفسه حتى لو لم يتكلم بهذا، بخلاف الذي يتبع البدع ويتبع الشبهات، يرى أنه على هدى وعلى خير، فيستمر فيها، ولهذا قال الله ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ لأن المتبع للشهوات هو يعرف الطريقة ولكنه ضعفت نفسه، أما المتبع للشبهات فهو انحاد عن الطريق، ترك الطريقة كلها، ذهب إلى طريقة أخرى غير طريقة الرسول -صلى الله عليه وسلم-.



قال: وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" أخرجاه.



وهذا أصل عظيم من الأصول الكبيرة التي تردّ البدع وتبطلها وتحرم العمل بها وإقرارها، فمن عمل عملا لم يشرعه الله ولم يشرعه رسوله -صلى الله عليه وسلم- فقد ابتدع وواقع أمراً من كبائر الذنوب، وهو مردود عليه وليس له أجر ولا حسنات ولا ثواب، فعلى كل مبتدع ألا يُكلف نفسه ولا يُرهقها، بل عليه أن يتوب من بدعته.



والمشكلة أن المبتدع يظن أنه على هدى، وهذا لا ينجيه منه إلا أن يسأل ويتفقه في الدين ويتعلم وينظر بإنصاف وتجرد عن التعصب وعن التقليد الأعمى، ينظر في كلام الله وينظر في كلام الرسول -صلى الله عليه وسلم- لعل الله -عز وجل- أن يفتح عليه بصيرته.



أما من قال: مشايخي وعلمائي وكتبنا وطريقتنا حتى لو خالفت ما في الحديث! هذا لا يلوم إلا نفسه، هذا هو المتسبب على نفسه، نسأل الله العافية والسلامة، والله -عز وجل- يفتح على من يشاء من عباده.



ولهذا قال بعض السلف: البدعة أحب إلى إبليس من المعصية، قالوا لماذا؟ قال: لأن المعصية يتاب منها والبدعة لا يتاب منها؛ لأن صاحبها يرى أنه على هدى.



انتبه إلى قول النبي -صلى الله عليه وسلم- "مَن أحدث في أمرنا" أمرنا هذا المشار إليه: الإسلام، الدين، أما ما كان خارجا عن الدين من أمور العادات ومن أمور معايش الناس ومصالح الناس مثل شق الطرقات ومثل وضع المدارس وبناء المستشفى، هل كان المستشفى على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-؟



ليس موجودا، لكن المستشفى أو المدرسة أو الهاتف أو الكهرباء أو لاقط الصوت ومكبر الصوت أو السيارة: هذه ليست من أمور الدين، السيارة ليست أمرا دينيا، ليست من العبادة وليس فيها عبادة، ولسنا نتعبد الله لما نركبها ونقول: هذه عبادة.



لا، هذه أمور في معايش الناس ومصالح الناس، والنبي -صلى الله عليه وسلم- أنكر ونهى عما يتعلق بقوله "في أمرنا هذا" المشاركة لأي شيء من الدين والإسلام، أما ما خرج عن ذلك من أمور العادات والمباحات والأمور التي أُحدثت في أمر الدنيا وليست في أمر الدين فلا تدخل في النهي.



الرواية الثانية أتى بها الشيخ كما صنع الحافظ النووي -رحمه الله- "من عمل عملا ليس عليه أمرنا".



من يعرف الفائدة من إيراد العلماء لهذا الرواية؟



تفضل يا شيخ...



فتح الله عليك يا شيخ، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الإحداث في الدين، ونهى أن يعمل الإنسان بهذا العمل حتى لو لم يكن هو الـمُحدث، لأن بعض الناس يقول: أنا لم أحدثها، موجودة عند مشايخنا وعند بلدنا ومن عاداتنا من مائتَي سنة وخمسمائة سنة.



نقول: لا تعملها؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رَد".



فنهى عن الإحداث ونهى عن عمل المحدثات حتى لو لم يبتدئها هو.



يدخل في قوله ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا﴾ الباطنية الآن، بعض الفرق الباطنية كالدروز والنصيرية وأشباههم، والذين خرجوا عن الإسلام من المشركين عباد أصحاب القبور وغيرهم، تجد بعضهم عاقرَ الشرك الأكبر والكفر بالله والتكذيب بالقرآن والتكذيب برسالة النبي -صلى الله عليه وسلم- ودعوى أن هناك رسولا بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- ونحو ذلك من الكفريات، ثم تجده يسأل عن كيف تحدّ المرأة على زوجها إذا مات، ويسأل كيف أبحث عن القبلة إذا كنت في البر، ويسأل عن بعض الأشياء وهو أضاع الأصل العظيم، أضاع الأصل، التوحيد والتعلق بالله، توحيد الله، وأضاع الإيمان بالله وبرسله وكتبه وبالقرآن والرسول، أضاعه كله ويسأل عن التفاصيل؛ لأنه يعيش جوّ العادة كما يعيش من حوله، فيقلدهم، ولهذا فالعلاج الأول لهذا ليس أن تسأل عن التفاصيل وأنت ضيعت الدين، تمسك بالصراط الذي كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وهذا يدخل في هذا المعنى، باب وجوب الدخول في الإسلام، هذا معنى الباب.



قال: وللبخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى" قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: "من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى".



إذن يجب على الجميع طاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- والدخول في دينه.



نحاول يا إخوان أن نختصر في التعليق قدر المستطاع لأن الوقت ضيق والكتاب نريد أن ننهيه بإذن الله، فاعذروني على الاختصار القليل.



قال: وفي الصحيح عن ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم، ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية، ومطلب دم مسلم بغير حق ليهريق دمه".



هذه الأشياء وهؤلاء الأشخاص أبغض الناس إلى الله، الشاهد قوله "ومُبتغٍ في الإسلام سنة الجاهلية" يعني الإسلام من الله به على الناس وبعث الله محمدا -صلى الله عليه وسلم- وتعلم الناس الدين من النبي -عليه الصلاة والسلام- ومن الصحابة، ثم يأتي هذا المجرم الذي يبغضه الله وهو من أبغض الناس إلى الله فيحيي فيهم سنة الجاهلية ويمحو معالم الإسلام، هذا موجود ،كثير من الناس يفعل هذا، فمن ابتغى في الإسلام سنة الجاهلية فهذا من أبغض الناس إلى الله -عز وجل-، وخرج عن طريقة النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو عدوّ لله ولرسوله.



وكذلك الذي يطلب دم امرئ مسلم، يذهب فيبحث عنه حتى يقتله بغير حق، أعوذ بالله، هذا يراقب أخاه المسلم حتى يقتله، هؤلاء الخوارج وهؤلاء الحشاشين وهؤلاء المجرمون وقطاع الطرق، هؤلاء من أبغض الناس لله.



سنة الجاهلية، يقول: قال ابن تيمية...



نقَلَ هنا نقلا عن شيخ الإسلام ابن تيمية، وهذا موجود في كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لشيخ الإسلام، يقول: قوله "سنة الجاهلية" يندرج فيها كل جاهلية مطلقة أو مقيدة.



يعني الجاهلية المطلقة -بشرط الإطلاق- هذه كانت قبل مبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- كان الناس كلهم أطبقت عليهم الجاهلية، فبعث الله محمدا -صلى الله عليه وسلم- فأشرقت الأرض بهذه الرسالة المحمدية.



هذه تسمى الجاهلية الـمُطلقة.



الجاهلية المقيدة يعني مثلا بلد ينتشر فيه الكفر، نقول: هذا بلد جاهلي، وبلد فيه الإسلام نقول: هذا بلد ليس جاهليا.



إذن فالجاهلية صارت مقيدة ببلد أو بشخص دون شخص، يعني مثلا الشخص يتعزى بعزاء الجاهلية ويتعصب لجماعته ولحسبه ونسبه ويفخر على الناس بحسبه، هذا في جاهلية، وآخر لا يفعل ذلك هذا ليس في جاهلية.



إذن هذا شخص...



قال: كتابية أو وثنية، يعني قد تكون الجاهلية مشابهة لأهل الكتاب أو الجاهلية مشابهة للوثنيين، فالذي يطوف بأصحاب القبور ويتمسح بها وينذر لها ويذبح عندها هذه جاهلية وثنية، والذي يتشبه بأهل الكتاب صلبانهم على صدره ويقلدهم في طقوسهم الكفرية هذا كتابية.



والوثنية أنواع كثيرة حتى صاروا الآن يروجونها للمسلمين باسم عصري وخداع للناس، دورات اكتشاف الذات وقدرات النفس واستطلاع المستقبل، والمشي على الجمر، والبرمجة العصبية ونحو ذلك، فأخذوا يأتون بما عند الوثنيين اليابانيين والبوذيين من الكفريات يأتون بها للمسلمين بالصور أنها نوع من الاكتشافات، يغطون هذا بهذا؛ حتى يدخلوا الباطل على المسلمين، فيجب التفطن لهذا.



قال: أو غيرهما، يعني غير أهل الكتاب وغير الوثنيين، من كل مخالفة لما جاء به المرسلون.



ثم قال: في الصحيح عن حذيفة -رضي الله عنه- أنه قال: يا معشر القراء استقيموا.



القراء: المشتغلون بالعلم والقرآن والسنة، أهل العلم.



يا معشر القراء استقيموا، فإن استقمتم فقد سبقتم سبقاً بعيداً، وإن أخذتم يميناً وشمالاً لقد ضللتم ضلالاً بعيداً، يعني لا تستحسن وتزيد في الدين ما ليس منه، بعض الناس يقول: أنا جالس في المسجد أدرس وليس عندي أحد، أنا خطيب لا يأتي عندي إلا خمسة أو عشرة، أنا مدرس في كذا وأعرف كذا وكذا ولا يأتي إليّ أحد، أريد أن أخرج شيئا يكثر الجمهور عندي، لا، إن أخذت يمينا وشمالا ضللت ضلالا بعيدا، استقم، دعك من الناس، لا تنظر إلى العدد ولا تنظر إلى البُهرج، ولا تنظر إلى المؤثرات هذه، ابحث عن رضى الله -سبحانه وتعالى-، إذا استقمت أنت والله فزت فوزا ما له نظير، لا يغرك عدد ولا شكل ولا مال ولا مناصب ولا ثناء ولا شيء، لا يغرك شيء، أهم شيء استقم، نصيحة والله ذهبية، هذه نصيحة ما تقدر بشيء، من غلائها وقيمتها؛ لأن حذيفة يخاطب أهل العلم، يخاطب طلبة العلم والذين عندهم حرص على الدين، يتعلمون ويتفقهون، يأتيهم الشيطان إذا كبر سنه وصار عُمره ثلاثين أو أربعين أو خمسين أو ستين، يقول: هذا أقل مني وما شاء الله! وأنا كذا، إلى متى؟ أخرِج مسألة شاذة والناس يركضون حولك، لا، إن أخذت يمينا أو شمالا ضللت ضلالا بعيدا، استقم فقط، اصبر على الحق، اثبت عليه، ما أحسن كلمة النبي -صلى الله عليه وسلم- "يا عباد الله فاثبتوا" لما ذكر الدجال، الدجال يهز الناس هزا، حتى آخر المطاف يدعي الربوبية، يقول: أنا ربكم، نسأل الله العافية والسلامة، "يا عباد الله فاثبتوا".



اثبت على الحق، هذه نصيحة عظيمة جدا يا إخوة.



قال: وعن محمد بن وضاح أنه -من هو أنه؟ أن محمد بن وضاح؟ لا، أنه يعني حذيفة؛ لأن ابن وضاح هذا متأخر في القرن الثالث أو الرابع- أنه يعني حذيفة -رضي الله عنه- يعني أورد هذا الظاهر في كتابه: البدع والنهي عنها، معروف هذا الكتاب، لابن وضاح.



قال: أنه كان يدخل -يعني حذيفة- يدخل المسجد -رضي الله عنه- فيقف على الحِلَق فيقول... يعني الكلام السابق، يا معشر القراء استقيموا، فإن استقمتم فقد سبقتم سبقا عظيما، وإن أخذتم يمينا وشمالا...



قال: وقال عن سفيان بن عيينة، من الذي قال؟ ابن وضاح يذكر السند هنا، عن مجالد عن الشعبي عن مسروق قال: قال عبد الله -يعني ابن مسعود رضي الله عنه- ليس عام إلا والذي بعده شر منه، لا أقول عامٌ أمطر من عام...



طبعاً الجملة الأولى وردت في حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- يقول: "لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه" سمعته من نبيكم -صلى الله عليه وسلم-، لما جاؤوا يشتكون من ظلم الحجاج بن يوسف الثقفي، يأتون عند أنس -رضي الله عنه-، عالِم، صاحب رسول الله، خادم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "اصبروا فإنه لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه".



أمرهم بالصبر وقال: سمعته من نبيكم -صلى الله عليه وسلم- هذه وصية أنس، وأنتم كذلك لعلكم توصون الناس بهذا، وإذا قال لك واحد: الصبر له حدود، سوف ننفجر.



قل له: نعم له حدود حدها النبي -صلى الله عليه وسلم- «اصبروا حتى تلقوني على الحوض» هذا الحد، أي كلام غيره فاتركه، هذا كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-.



قال: لا أقول عام أمطر من عام ولا عام أخصب من عام ولا أمير خير من أمير، لكن ذهاب علمائكم وخياركم ثم يحدث أقوام يقيسون الأمور بآرائهم فيُهدم الإسلام ويُثلَم.



نسأل الله السلامة والعافية.



بالفعل ذهاب العلماء وزوال العلماء وقلة العلماء الربانيين الراسخين في العلم المعروفين بتعظيم الوحيين الكتاب والسنة والسير على منهاج السلف الصالح، هؤلاء العلماء إذا ذهبوا حدث الشر في الناس وصدر الناس أقواما أهل آراء وليسوا أهل علم، وأهل فتن وليسوا أهل دين، فصاروا يقيسون الأمور بآرائهم ويستحسنون ويضِل بسببهم الخلق الكثير.



ونحن نشاهد اليوم يخرج بعض الناس في بعض الوسائل الإعلامية فيقول الكلام فيؤثر في الآلاف المؤلفة من الناس يضلهم ويبعدهم عن الحق، نسأل الله العافية والسلامة.



هذا معنا قوله: لكن ذهاب علمائكم وخياركم، ثم يحدث أقوام يقيسون الأمور بآرائهم فيُهدم الإسلام ويُثلم.



أحسن الله إليكم.



قال -رحمه الله-:



باب تفسير الإسلام.



قوله تعالى ﴿فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ﴾.



وفي الصحيح عن عمر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا».



وفيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعا قال: «المسلم من سلِم المسلمون من لسانه ويده».



وعن بَهز بن حكيم بن معاوية عن أبيه عن جده أنه سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الإسلام فقال: "الإسلام أن تُسلم قلبك لله تعالى، وأن تولي وجهك إلى الله تعالى، وتصلي الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة" رواه أحمد.



وعن أبي قلابة عن رجل من أهل الشام عن أبيه أنه سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما الإسلام؟ قال «أن يَسلم قلبك لله -عز وجل- وأن يَسلم المسلمون من لسانك وعدك» قال: فأي الإسلام أفضل؟ قال "الإيمان" قال: وما الإيمان؟ قال «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت».



هذا الباب يُبين فيه معنى الإسلام إجمالاً طبعاً، يُوضح بعض النصوص تُبين لك معنى الإسلام، فذكر أصله الكبير في قوله تعالى ﴿فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ﴾



يعني النبي -صلى الله عليه وسلم- أسلم وجهه لله، وأتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- وهم المسلمون كلهم أسلموا وجوههم لله، يعني انقادوا لله -عز وجل-، الإسلام هنا انقياد العبد لله بالطاعة والتوحيد والإخلاص والسلام والوجه، ذكر الوجه مع أن الجسم كله مسلم لله ومنقاد لله؛ لأن الوجه أشرف ما في الإنسان، فإذا أسلم وجهه لله صارت البقية تبعًا.



وأنت مُنقاد، وجهك مُنقاد لله تضعه في الأرض حين يأتي وقت السجود، وتركع لله وتقوم بين يديه خاشعا، هذا إسلام لله -عز وجل- هذا عمل، وكذلك القول، وكذلك الاعتقاد في القلب.



فأنت حالك مع الله -سبحانه وتعالى- حال انقياد وطاعة وتوحيد، متبع ومطيع لله -عز وجل- ومنقاد لله، تأمّل البعير، هل تعرف البعير؟



حجمه ضخم جدا، وإذا ربط بحبل وجاء طفل صغير يجره ينقاد البعير ويمشي وراءه، أنت أعظم من ذلك، منقاد لربك -سبحانه وتعالى- حيث أمرك تفعل، وحيث نهاك تنتهي، تعظمه وتسلم وجهك له، وتذِلّ له وتخضع له، وتحبه وتعظمه وتخافه وترجوه، ﴿فَإِنْ حَاجُّوكَ﴾ أهل الكتاب هؤلاء الكفرة ﴿فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ﴾.



وفي الصحيح عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا».



الحمد لله، هذا الإسلام، هذه أركانه العظيمة، ليس كل الواجبات هذه، الواجبات أكثر، فيه الصدق في الحديث والوفاء بالعهد وأداء الأمانات، وفيه القيام بحق الزوجة وحق الأولاد، "كلكم راع" هناك واجبات أخرى لكن هذه واجباته العظمى وأركانه الكبرى الأساسية الخمسة، فالدين واضح ليس فيه تعقيد ولا فيه أشياء خفية وسرّ، يأتي إمام المسجد يقول لبعضهم: تعال عندي سر من الدين سأعطيك إياه.



ليس عندنا هذا، الدين واضح ليس فيه أسرار كالباطنية والزنادقة، الباطنية الآن يقولون: هناك شيء ليس لك، إذا وصلت المرتبة العليا نعطيك هذا الشيء، هذا ما هو من الدين، والروافض كذلك عندهم هذه الأشياء، فالدين -ولله الحمد- دين الإسلام بريء من هذه الترهات وخرافات، يعرف العبد بالإسلام وتُعرف حدوده ويعرف أركانه، فيشهد ألا إله إلا الله ويدخل الإسلام.



ما أسرع ذلك، ما أسرع ما يدخل فيه كما أنه ما أسرع ما يخرج منه، نسأل الله الثبات على الحق، نسأل الله أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، نسأل الله أن يعصمنا وإياكم من الرِدّة ومن مضلات الفتن.



قال: وفيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعا «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده».



إذن هذه الأركان -وهذا من واجبات الإسلام- كُف أذاك، «المسلم مَن سلم المسلمون من لسانه ويده».



أعطونا الأمثلة، السب والشتم واللعن والغيبة والنميمة، التكفير والتفسيق بغير حق، القذف. أحسنتم.



طيب، ويده؟ الضرب والقتل والسرقة وغير ذلك، إذا سلم المسلمون من لسانك ويدك فأنت مسلم.



تأمل في نفسك، اليد كثير من الناس، لكن اللسان والله أنه يورد الناس الموارد، الله يهدينا ويحفظنا ويحفظ ألسنتنا، اللسان كثيرا ما نتكلم في المجالس، هذا فيه وهذا ما فيه، هذا ناقص هذا زائد، هذا كذا وهذا كذا، فلذلك إذا جاهدت نفسك على حفظ لسانك فأنت مسلم، «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده».



اللهم اجعلنا منهم يا رب وإياكم وجميع إخواننا المسلمين.



قال: وعن بَهز بن حكيم عن أبيه عن جده أنه سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الإسلام فقال: «أن تسلم قلبك لله، وأن تولي وجهك إلى الله، وأن تصلي الصلاة مكتوبة وتؤدي الزكاة المفروضة» رواه أحمد.



وعن أبي قلابة عن رجل من أهل الشام عن أبيه أنه سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الإسلام فقال: «أن تسلم قلبك لله ويسلم المسلمون من لسانك ويدك».



فقال أيُّ الاسلام أفضل؟ قال "الإيمان"، قال وما الإيمان؟ قال أنت تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت".



وذُكر في أحاديث أخرى: الإيمان بالقضاء والقدر، مثل حديث جبريل.



إذن هنا أراد المصنف أن يشير إلى تفسير الإسلام من خلال آيات ومن خلال الأحاديث، يبين لك معالم الإسلام الكبرى، الأركان والأخلاق والعقائد من خلال هذه الأحاديث.



قال -رحمه الله-:



باب قول الله تعالى ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾.



وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «تجيء الأعمال يوم القيامة، فتجيء الصلاة فتقول: يا ربّ أنا ٢الصلاة، فيقول: إنك على خير، ثم تجيء الصدقة فتقول: يا ربّ أنا الصدقة فيقول: إنك على خير، ثم يجيء الصيام، فيقول: يا رب أنا الصيام، فيقول: إنك على خير، ثم تجيء الأعمال على ذلك، فيقول الله -عز وجل-: إنك على خير، ثم يجيء الإسلام فيقول: يا رب أنت السلام وأنا الإسلام، فيقول الله -عز وجل-: إنك على خير، بك اليوم آخذ وبك أُعطي».



وقال الله -عز وجل- في كتابه: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾. رواه أحمد.



وفي الصحيح عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد». رواه أحمد.



هذا الباب يبين ما تقدم لكن يخص بيان أن من لم يدن بدين الإسلام فلن يقبل الله عز جل منه لا صرفا ولا عدلا، مهما عمل من الأعمال ومهما تقرب لله من القربات ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ ولهذا جاء في الحديث الأعمال مثل الصلاة والصدقة والصيام كلها يقول الله -عز وجل-: إنك على خير، حتى جاء الإسلام فقال: بك اليوم آخذ وبك أعطي، يعني المعول عليك أيها الإسلام، إذا جاء العبد بالإسلام سليما وهو مسلم صارت الأعمال تنفعه، أما إذا جاء بالأعمال... صلى وهو ليس بمسلم، صلاة النصارى، صام صوم اليهود وهو ليس بمسلم، أو تصدق أو بنى مستشفى وهو نصراني، وهو ليس بمسلم، مات على الكفر، ما آمن بالرسول -صلى الله عليه وسلم- الإسلام هو المعول عليه، "بك اليوم آخذ وبك أعطي".



﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ فالآية هذه شرحها الشيخ بالحديث، وهذا معنى قوله ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا﴾.



حتى الملاحدة والعلمانيون واللبراليون وسائر أهل المذاهب الأرضية الكفرية كل هؤلاء يغترون بأعمالهم، يغترون بما هم عليه، ما يقبل الله منهم شيئا يوم القيامة.



ثم ختم بحديث عائشة -وقد تقدم- «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» يعني افهم هذا المعنى، وهو أنه ما دام لم يدن بدين الإسلام فلن يقبل الله منه، كما أنك تفهم من الحديث أن من ابتدع بدعة في الذكر أو ابتدع بدعة في الصلاة أو في تخصيص عبادة ما أنزل الله بها من سلطان لا تقبل منه، كذلك من ابتدع في الأصل، ما أتى بالإسلام كله، أتى بدين غيره: فلن يُقبل منه.



نعم، تقدمَ يا إخواني، أنا قلت لكم سيأتي، أن الشيخ يكرر هذا المعنى، ومعنى قولي تعالى ﴿وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينً﴾.



أحسن الله إليك، قال -رحمه الله-:



باب وجوب الاستغناء بمتابعة الكتاب عن كل ما سواه.



وقول الله تعالى ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾.



روى النسائي وغيره عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه رأى في يد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ورقة من التوراة، فقال: «أمُتهوّكون فيها يا ابن الخطاب؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لو كان موسى -عليه السلام- حيا واتبعتموه وتركتموني ضللتم» وفي رواية «لو كان موسى حيا ما وسِعه إلا اتباعي».



فقال عمر: رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيا.



الله أكبر، هذا يدل على وجوب الاستغناء بمتابعة القرآن عن كل ما سواه، والمراد القرآن والسنة؛ لأن السنة هي الوحي الثاني، كما قال الله -عز وجل- ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ فأمر الله -عز وجل- بطاعته، وأمر بطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.



والكتاب والسنة يغنيان العبد عن الآراء الفاسدة، والأهواء الباطلة، والمذاهب الردية، واستحسانات العقول، وأقاويل الناس، يستغني بالقرآن والسنة عن ذلك.



قال: وقول الله تعالى ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾



أي أن القرآن منزل من عند الله، وهذا يدل على أن القرآن كلام الله، وأن الله -عز وجل- في العلو، وهو العلي العظيم، على العرش استوى، فوق عباده، ولهذا صار القرآن منزلا من عنده، والنزول يكون من أعلى إلى أسفل، وقوله ﴿تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ الكتاب يعني القرآن، تبيانا لكل شيء، هذا عام، لكل شيء مما يحتاجه العباد في أمور دينهم وأمور آخرتهم وما ينجيهم عند الله -سبحانه وتعالى-.



والمراد أن هذا للجن والإنس أيضا، كل ما ينجيهم عند الله، وكل ما ينفعهم في دينهم، هذا موجود في القرآن وفي السنة ،هداية البشر وصلاحهم واستقامتهم لا تكون إلا بهذا، أما ما يفهمه بعض الناس أن القرآن فيه ذكر لكل ما في الكون من المعايش ومن المخلوقات ومن أسماء المأكولات ومن أسماء المدن وأسماء البلدان هذا فهم فاسد، القرآن لم ينزل لهذا ،القرآن نزل لهداية البشر ودلالتهم على صلاحهم وعلى نجاتهم وعلى سعادتهم، وليس هو منزلا لذكر أسماء البلدان كلها وأسماء القرى وأسماء الفواكه وأسماء الأشجار وأسماء الحيوانات، لا، فمن فهم هذا فقد غلط، فالقرآن ينزه عن مثل هذه الأقاويل الفاسدة.



قال: وروى النسائي وغيره عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه رأى في يد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ورقة من التوراة، التوراة الكتاب الذي نزل على موسى -عليه الصلاة والسلام-.



فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- منكرا: «أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب؟»



يعني أنت متحير ومتردد؟ التهوك: التحير والتردد، هل أنتم متحيرون؟ هل أنتم متشككون؟ هل أنتم مترددون أن ما أنزل الله على محمد هو الحق وفيه الكفاية والهدى؟ لماذا تنظر في هذا التوراة إذن؟ ألا يكفيك ما في القرآن؟ قد أغناك الله بالقرآن، ﴿أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾.



فالقرآن يكفي العبد، ما يحتاج أن تنظر في الإنجيل حتى تنجو يوم القيامة، ولا تنظر في التوراة حتى تعرف كيف تصلي وكيف تصوم، يكفيك ما في القرآن، أما النظر في هذا الكتب هذا منقصة؛ لأن هذه الكتب قد نسخت وهيمن القرآن عليها ورفع الله -عز وجل- حكمها، وإن كانت هي في الأصل حقا ووحيا من عند الله، لكن نسي بعضها ولم تُضبط، ولم يتكفل الله -عز وجل- بحفظها، بل تكفل الله بحفظ القرآن.



ثم قال النبي -صلى الله عليه وسلم- «لقد جئتكم بها بيضاء نقية».



يعني الشريعة التي جاء بها الرسول -صلى الله عليه وسلم- ليس فيها سواد، بيضاء، ليس فيها جهالات، ليس فيها ظلمات، بيضاء ناصعة البياض، نقية، ولا نقطة سوداء، ولا شيء ناقص إطلاقا، «لقد جئتكم بها بيضاء نقية» ليس فيها شوائب، ليس فيها نواقص، ليس فيها أخطاء، ليس فيها تناقض، «لقد جئتكم بها بيضاء نقية».



ثم قال -صلى الله عليه وسلم- «ولو كان موسى حياً واتبعتموه وتركتموني ضللتم» هذا حقيقة، لو كان موسى حياً واتبعتم موسى وتركتموني لضللتم، فموسى -عليه الصلاة والسلام- وعيسى -عليه الصلاة والسلام- أنبياء ورسل كرام من رسل الله، أخذ الله -عز وجل- عليهم الميثاق لئن بعث محمد -صلى الله عليه وسلم- وهم أحياء ليتبعنه، ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾.



فأخذ الله الميثاق على جميع الأنبياء والرسل، كما قال عبد الله بن عباس: لئن بُعث محمد وهم أحياء ليتبعنّه، فأقروا بذلك وعاهدوا الله على ذلك، وأخذ الله عليهم الميثاق.



فكيف تتركون ما جاء في القرآن وفي سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وتبحثون في التوراة وتبحثون في الإنجيل؟



ألا يكفيكم ما في القرآن؟



ثم إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد جعل الله دعوته عامة لجميع أهل الأرض، حتى اليهود اليوم الموجودون والنصارى وسائر البشرية، قال الله ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ وقال الله ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ فلا يجوز لأحد أن يخرج عن دينه.



والنظر في هذه الكتب سبب للضلال وسبب للخطأ؛ لأنها لم تحفظ ولم يضمن ولم يتكفل الله بحفظها، ثم إنه قد دخلت في بعض نسخها أيادي التحريف والتبديل والزيادة والنقصان والنسيان ،سواء بالترجمة والخطأ فيها، أو بالتعمد والقصد، كما أخفوا آية الرجم مع أن الرجم مكتوب عندهم، لكنهم لما أتوا بالتوراة وضع أحدهم يده على آية الرجم وقرأ ما قبلها وما بعدها ولم يقرأها، فقال عبد الله بن سلام -وكان من علماء اليهود من الله عليه بالإسلام- قال: ارفع يدك واقرأ ما تحت يدك، فرفع يده، يقول: فإذا آية الرجم تلوح مما بقي من الحق في كتبهم، فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- برجم اليهوديين.



فلا يجوز لأحد من الجن ولا من الإنس أن يقول: ننظر في التوراة وندرسها ونعمل بها، أو نعمل بالإنجيل، لا يجوز لا لجني ولا لإنسي، كائنا من كان، بل من خرج عن شريعة محمد -صلى الله عليه وسلم- فهو كافر، ومن زعم أن أحدا من الناس يسعه الخروج عن شريعة النبي -صلى الله عليه وسلم- كما وسِع الخضر الخروج عن شريعة موسى فهو كافر بإجماع المسلمين.



الخضر نبي كريم لم يتبع موسى في شرعه، بل هو على شرع وعلى وحي من الله ولم يضره ذلك، فمن زعم أنه بعد مبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه يوجد أحد يصلح له مثل ما صلح للخضر وأنه يسعه الخروج عن شريعة محمد -صلى الله عليه وسلم- كما وسع الخضر هذا كافر، لا أحد يسعه الخروج عن شريعة النبي -صلى الله عليه وسلم- أبداً.



قال عمر -رضي الله عنه-: رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا.



وهذه الكلمات العظيمة من جوامع الكلم، من وفق لتدبُّرها والعمل بمضمونها فقد هُدي إلى صراط مستقيم، فالرضى بالله رباً رضى بدينه، والرضى بشرعه، والرضى بكتابه القرآن العظيم، والرضى بما شرع من العبادات، والفرح بذلك، والاكتفاء بذلك، والرضى بالإسلام دينا كذلك يقال فيه مثل ما تقدم، وهكذا الرضى بالرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- نبيا، ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.



اللهم اجعلنا ممن رضي بك ربا وبالإسلام دينا وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيا.



هناك أناس يبحثون في كتب الفلاسفة وأناس يبحثون في كتب أهل الكلام، إذا أراد أن يعرف الغيبيات أراد أن يبحث في بعض الكتب، كتب الزنادقة وكتب الكفار، هذا نفس الشيء، إذا قيل هذا في التوراة وهي منزلة من عند الله في الأصل ونهي عنها، فمن أراد أن يتعرف على الغيبيات أو على ما ينفعه في دينه أو على ما يتعلق بالله وبرسله وبالآخرة ونظر في غير الكتاب والسنة فهو ضال أيضاً، وهذا يجعلنا نحذر إخواننا المسلمين كما حذر نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، حذر من النظر في غير القرآن والسنة من الكتب لتلقي الدين وتلقي العقيدة، كذلك نحذر من قراءة كتب الفلاسفة وكتب أهل البدع وكتب أهل الكلام، نحذرهم مثل ما حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- ونهى، لأن بعض الناس يضلل الطلبة ويقول لهم: اقرؤوا في كل شيء وابحثوا في كل شيء وانظروا في كل كلام، وبعضهم والله الذي لا إله غيره أضلَّ خلقا من الطلبة وأفسد دينهم وأفسد عقيدتهم، فيأتي بكتب الملاحدة وكتب الزنادقة وكتب الفلاسفة ويروجها بدعوى الانفتاح على الثقافات ،أو بدعوى التعرف على ما عند الآخرين، فنقول لهم مثل ما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أمتهوكون فيها»؟



هذا تهوك وتحيّر.



نأخذ الباب ونقف.



قال -رحمه الله-:



باب ما جاء في الخروج عن دعوى الإسلام.



قوله تعالى ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا﴾.



عن الحارث الأشعري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «آمرُكُم بخمسٍ اللهُ أمرني بهن، السمع والطاعة والجهاد والهجرة والجماعة، فإنه من فارق الجماعة قِيد شبر وقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يرجع، ومن ادعى دعوى الجاهلية فإنه من جُثى جهنم».



فقال رجل: يا رسول الله، وإن صلى وصام؟



قال: «وإن صلى وصام، فادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين والمؤمنين عباد الله». رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن صحيح.



وفي الصحيح «من فارق الجماعة شبرا فمات فميتته جاهلية».



وفيه: «أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهُركم»؟



قال أبو العباس -رحمه الله-: كل ما خرج عن دعوى الإسلام والقرآن بنسب أو بلد أو جنس أو مذهب أو طريقة فهو من عزاء الجاهلية، فلما اختصم مهاجري وأنصاري فقال المهاجري: يا للمهاجرين وقال الأنصاري: يا للأنصار قال -صلى الله عليه وسلم- «أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم»؟ وغضب لذلك غضبا شديدًا.



انتهى كلامه -رحمه الله-.



هذا الباب أيضًا في الأسماء والألقاب التي يتدين الناس بها، ويجعلونها شعارًا لهم من باب الدين، من باب التدين واعتقاد الفضيلة والتخصيص بها.



فماذا نرضى من الأسماء وماذا نحب أن نسمى به؟ هذا الشعار الذي نرفعه وننادي به ونقول: نحن كذا، ما هو المحبوب؟



قال: باب ما جاء في الخروج عن دعوى الإسلام، يعني عن اسم الإسلام، الدعوى يعني اللقب والاسم الذي يطلق عليك، فأنت مسلم، هذا لقبك وهذا الوصف توصف به وتُنادى به وتُدعى به، الذي يدعوك يقول: يا مسلم تقدم، يا مسلم تأخر، تعال يا مسلم، من أنت؟ قل: أنا مسلم، نحن المسلمون، الحمد لله، هذا الاسم دعوى تُلقب به وتُنادى به وتُوصف به وتُدعى به، الخروج عن هذا الاسم... باب ما جاء في الخروج عن دعوى الإسلام، تخرج عن هذا الوصف إلى ماذا؟



يفصل فيها...



وقوله تعالى ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا﴾.



يعني أن الله -عز وجل- هذا الراجح في تفسير الآية أن الضمير "هو" يعود على الرب سبحانه، هو الذي سماكم بهذا الاسم، وهذا يدعوك للفرح والاكتفاء والرضى بما سماك الله به، فلا تحدث أسماء خارجة عما يحبه الله وما سماك الله به، ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا﴾.



قال: وعن الحارث الأشعري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال «آمركم بخمس الله أمرني بهن، السمع والطاعة والجهاد والهجرة والجماعة».



السمع والطاعة متقاربان، لكن السمع إذا ذكر مع الطاعة صار له معنى وهو الإنصات والاستماع وعدم التشويش والتشغيب، والطاعة هي الاستجابة والتنفيذ للأوامر أو النواهي، طبعا في غير معصية الله.



والجهاد معروف، الجهاد في سبيل الله.



والهجرة هي الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام.



والجماعة أي لزوم جماعة المسلمين، الإمام، ولي الأمر، السلطان، الأمير الذي يحكم البلد، هذا نجتمع معه على طاعة الله ورسوله، ولا نتفرق في الدين، ولا ننازعه ونخرج عليه.



«آمركم بخمس الله أمرني بهن، السمع والطاعة والجهاد والهجرة والجماعة».



ثم قال -صلى الله عليه وسلم- «فإنه من فارق الجماعة قيد شبر -أي قدر شبر- فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه».



الربقة ما يحيط بالرقبة، وإذا خلع ربقة الإسلام من عنقه ما بقي معه إسلام، هذا وعيد شديد في من خرج عن جماعة المسلمين وشذ عنهم، نسأل الله العافية والسلامة.



«إلا أن يراجع» إذا رجع لجماعة المسلمين وتاب واستغفر ربه ولزم الجماعة تاب الله عليه، من تاب تاب الله عليه.



قال «ومن ادعى دعوى الجاهلية فإنه من جثى جهنم» يعني يرمى في جهنم ويكون من جثاها، نسأل الله العافية والسلامة؛ لأنه ادّعى بدعوى الجاهلية.



فسأل أحد الصحابة الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقال يا رسول الله: وإن صلى وصام؟



فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- "وإن صلى وصام، فادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين والمؤمنين عباد الله".



اكتفوا بهذا، اكتفوا بما سماكم الله، سماكم الله مسلمين، ووصفكم الله بالإيمان، بالمؤمنين، ووصفكم بأنكم عباد الله ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا﴾ ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ﴾.



هذه الأوصاف يرضاها الله -عز وجل- وصفكم الله بها، فاكتفوا بها، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ هذا وصف ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ هذا وصف.



فهذه الأسماء الشرعية التي يحبها الله -عز وجل-.



كذلك ما جاء من التسميات في الكتاب والسنة مثل المهاجرين، هاجروا من مكة إلى المدينة قبل فتح مكة، والأنصار أسلموا في المدينة ونصروا الله ورسوله، هذا وصف شرعي واسم شرعي ممدوح.



كذلك من الأسماء الشرعية من ذكروا في أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- «إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء» قيل من هم يا رسول الله، قال «الذين يصلحون ما أفسد الناس» أو «يصلحون إذا فسد الناس».



وكذلك المشتغلون بحديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- «نضر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها فبلّغها كما سمعها، فربّ مبلّغ أوعى مِن سامع».



فـ "نضّر الله" هذا مدح ودعاء، نضّر الله يعني نضارة في الوجه وصلاح القلب لأهل الحديث الذين يسمعون حديث الرسول وينشرونه، ولهذا قال العلماء في الطائفة المنصورة قال: هم أهل الحديث، يعني المشتغلون بحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والعاملون به والداعون إليه.



فهذا كله من الأوصاف المحمودة والممدوحة، ومع هذا فإن رجلاً من المهاجرين كسعَ -يعني ضرب- رجلا من الأنصار، أو العكس، فقال المهاجري: يا للمهاجرين، تعالوا، كيف هذا يفعل بي، وقال الأنصاري: يا للأنصار...



انظر، المهاجر أو المهاجري اسم ممدوح ومذكور في القرآن ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ﴾ اسم يحبه الله، فلما استخدم في عصبية قال: يا للمهاجرين تعالوا، والأنصار قال: يا للأنصار... ماذا حدث؟ تثاور القوم واشتبكوا، وهم صحابة، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- «أبدعوى الجاهلية» هذا أورده الشيخ هنا؛ لأجل هذا أوردت الحديث «أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم»؟



فسمى الاسم الشرعي -لما استخدم في العصبية وفي الظلم- سمى هذا دعوى الجاهلية.



فالاسم الشرعي الذي يحبه الله إذا استخدم في غير محله صار هذا مذموما، ولا يجوز للإنسان أن يتعصب لوصف أو طريقة، يا أهل المسجد الشرقي تعالوا نضرب أهل المسجد الغربي، أو يا أهل كذا... لا، مع أنهم أهل المساجد، أناس يحبهم الله، أهل المساجد الذين يحافظون على الصلاة فيها ﴿رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ﴾ رجال مدحهم الله، هؤلاء الرجال لا يختصمون بهذا الوصف ويتفاخرون به.



كذلك أيها الإخوة هناك أوصاف مباحة



لم تحرمها الشريعة ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ شعوب مثل البربر والروم والفرس، والقبائل الذين ينتسبون للقبائل العربية مثل قحطان وتميم، ويقول هذا أنا مطيري وهذا يقول أنا عتيبي وهذا يقول أنا دوسري وهذا يقول أنا عنزي، هذه القبائل العربية.



﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ لا لتفاخروا ولا ليبغي بعضكم على بعض، فالانتساب إليها مباح، بخلاف الانتساب للإسلام، دين، اسم شرعي، الإيمان اسم شرعي، أهل الحديث اسم شرعي، الانتساب للسلف الصالح اسم شرعي، تقول: أنا على طريقة السلف الصالح، أرجو الله أن يجعلني منهم، لكن هل معناه أني أزكي نفسي؟ لا، لا يجوز.



هل معناه كل أفعالي صحيحة؟ لا، غير صحيح، أفعالي فيها الخطأ وفيها الصواب، بعض الناس يقول أنا سلفي وفي أفعاله من الظلم والاعتداء على الناس، لا ينفعه الاسم هذا، الاسم وحده لا يكفي، مثل من يقول أنا مسلم ثم يظلم الناس ويسرق ويقتل، لا ينفعه الاسم.



فالأسماء الشرعية المحبوبة لله مثل الانتساب لمذهب السلف الصالح هذا اسم يحبه الله، السلف الصالح هم خير هذه الأمة، هم خير الناس، الصحابة -رضي الله عنهم- ومن على طريقتهم، هذا شيء يحبه الله، الله قال ﴿وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ﴾ في سورة التوبة.



كذلك -بارك الله فيكم- قلنا الأسماء المباحة مثل الانتساب للشعب إذا كان من أهل الشعوب، أو انتساب للقبيلة إذا كان من أهل القبائل، هذا مباح، لماذا؟ للتعارف والتواصل في الرحم ونحو ذلك، لا للتفاخر.



من الأشياء المباحة الانتساب للأرض، بعض الناس من أفريقيا وبعضهم من آسيا وبعضهم من الجزيرة العربية وبعضهم من الشام وبعضهم من اليمن، فهذا يقول أنا يمني وهذا يقول أنا نجدي وهذا يقول أنا أحسائي وهذا يقول أنا حجازي وهذا لا بأس به للتعريف، وانتساب للبلدان، يقول هذا أنا مصري أنا كويتي أنا سعودي أنا من البلد الفلاني، هذا لا بأس به، هذا للتعريف ما يبغي بعض على بعض ولا يفخر بعض على بعض.



أما الافتخار على الناس والبغي عليهم بهذه الأسماء هذا لا يجوز ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾.



بقي أيضا من الشيء المباحة الأعمال المشروعة مثل تحفيظ القرآن الكريم، تدريس القرآن الكريم هذا عمل مشروع «خيركم من تعلم القرآن وعلمه».



فلو أنشئت جمعية لتحفيظ القرآن لرعاية المدرسين والطلاب والإنفاق عليهم والرواتب هذا لا بأس به، جماعة تحفيظ القرآن أو جمعية تحفيظ القرآن لا بأس، لكن لا تأتي جمعية تحفيظ القرآن تقول: نحن أحسن من جمعية الأيتام ،جمعية الأيتام هؤلاء لا خير فيهم، أو نضع دستورا لجمعية تحفيظ القرآن وعقيدة ومنهجا لها، هذه الأمور لا تجوز، إنما هي في حدود اختصاصهم واهتمامهم بتحفيظ القرآن والمدرسين والطلاب وشؤونهم ونحو ذلك، هؤلاء في الأيتام، هؤلاء في الفقراء، جمعية للفقراء وجمعية للأيتام هذا لا بأس به، لأنه لا توجد عقيدة ولا منهج خاص بهذا دون هذا.



هذه الأسماء لو قال: أنا من جمعية تحفيظ القرآن أنا أعمل في جمعية تحفيظ القرآن أنا أعمل لا بأس، أنا أعمل في وزارة داخلية أنا أعمل في وزارة الخارجية أنا أعمل في وزارة كذا، لا بأس.



هذه الأسماء والأوصاف تقول: أنا عسكري أنا مدني أنا من رجال الدفاع المدني أنا كذا أنا كذا، لا بأس، هذا للتعريف وللتوزيع في الأعمال التي أباحها الله أو هي أعمال مشروعة.



بقي معنا الأسماء المحرمة، الأسماء المحرمة هي الانتساب للبدع أو الانتساب المبتدع، فالانتساب للبدع مثل القدرية والمرجئة والخوارج والشيعة والجهمية والأشاعرة والمعتزلة والماتريدية، فهذه الطوائف عرفت بالبدع فلا يجوز الانتساب إليها لما اشتملت عليه من بدع وأخطاء مخالفة لسنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، بعضها بدع في الأسماء والصفات وبعضها بدع في القدر وبعضها بدع في غير ذلك، هذه الأسماء منكرة ومحرمة شرعا.



كذلك من الأشياء المبتدعة إنشاء الأحزاب الدينية التي تقوم على أسس وقواعد يضعونها يدينون لله بها وهي مخالفة للكتاب والسنة، فهذه الجماعات والأحزاب الدينية أيضاً هي جماعات مبتدعة، أما إذا أنشؤوا جماعة ولم يجعلوا لهم شعاراً دينياً ولا دستوراً يخالف الكتاب والسنة فهذا إذا كان لرعاية المسلمين والاهتمام بهم مثل المراكز الإسلامية في الدول الأوروبية أو في بلاد الكفار يرعون شؤون المسلمين فلا بأس، لكن ما يُختطّ لهم منهج يخالف الكتاب والسنة أو يضعون قواعد أو أصول أو مبادئ تخالف الكتاب والسنة أو تقدس شخصا وتعظمه وتخالف الكتاب والسنة، هذا لا يجوز.



هذا ما يتعلق بهذا الباب وبه نختم هذا المجلس، نسأل الله -جل وعلا- أن يثبتنا على الإسلام، ونسأل الله -جل وعلا- أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح.



هذا يقول: هل صحيح أنه عد بعض أهل العلم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الركن السادس من أركان الإسلام؟



الجواب: نعم بعض العلماء ذكر هذا، وذكر بعضهم أن هناك ركنا سابعا وهو الجهاد، وإن شئت أن ترجع إلى شرح ابن رجب -رحمه الله- للأربعين النووية، جامع العلوم والحكم، ذكر هذه المسألة، لكن الصحيح أنها خمسة أركان كما صرح النبي -صلى الله عليه وسلم-.

لكن هذا يدلك على أن هناك من أهل العلم من عد هذا ركنا سادساً؛ لأهمية الأمر معروف والنهي عن المنكر.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وجزاكم الله خيرا.


tqg hgYsghl





رد مع اقتباس
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
عدالة الصحابة ومكانتهم في الإسلام سلطان الزين قسم الرسول مع حياة الصحابة 8 07-Dec-2025 11:09 AM
دفاعًا عن بلادي الغالية السعودية سلطان الزين •₪• حــكي الغــيم •₪• 4 07-Dec-2025 11:07 AM
واجبات الآباء نحو الأبناء سلطان الزين نفحات ايمانيه 6 03-Nov-2025 09:51 AM
أفضل النساء … أقلهن مهرا سلطان الزين نفحات ايمانيه 6 03-Nov-2025 09:51 AM


الساعة الآن 11:50 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
HêĽм √ 3.2 OPS BY: ! ωαнαм ! © 2010
جميع ما يطرح في منتديات أحاسيس الليل لا يعبر عن رأي الموقع وإنما يعبر عن رأي الكاتب
وإننــے أبرأ نفســے أنا صاحبة الموقع أمامـ الله سبحانه وتعالــے من أــے تعارف بين الشاب والفتاة من خلال أحاسيس الليل
vEhdaa 1.1 by rKo ©2009