حفظ اللسان وضوابط الكلام (خطبة) الشيخ أحمد إبراهيم الجوني الخطبة الأولى الحمدُ لله الذي خلق الإنسان، وعلَّمه البيان، وأمره ألَّا يقول إلَّا خيرًا، وألَّا ينطق إلا صدقًا،
الحمدُ لله الذي خلق الإنسان، وعلَّمه البيان، وأمره ألَّا يقول إلَّا خيرًا، وألَّا ينطق إلا صدقًا، نحمده سبحانه ونشكره، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وأشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، يعلم السِّرَّ وأخفى، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، أصدق الناس قولًا، وأطهرهم لسانًا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بعد:
فاتقوا الله أيها الأحِبَّة في الله، وراقبوا ربَّكم في أقوالكم وأفعالكم، فإنها محصاة عليكم، في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلَّا أحصاها، قال تعالى: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق: 18].
أيها الأخوة، لقد ابتُليَ كثيرٌ من الناس في هذا الزمان بآفة عظيمة، هي آفةُ إطلاق اللسان بالبذاءة والفحش واللعن، والدعاء بالشر على الناس، حتى صار بعضهم إذا غضب أو خاصم، انطلقت من فمه الكلمات كالسيل العرم، لا يزنها بميزان الشرع، ولا يفكر في أثرها، ولا يتذكر أنه سيقف بين يدي الله يُسأل عن كل لفظٍ نطق به، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الرجل ليتكَلَّم بالكلمة لا يرى بها بأسًا يهوي بها في النار سبعين خريفًا»؛ [رواه الترمذي].
وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا: «ليس المؤمن بالطعَّان، ولا اللعَّان، ولا الفاحش، ولا البذيء»؛ [رواه الترمذي وحسَّنه].
فأين أولئك الذين يطعنون في أعراض الناس، ويخوضون فيهم ليلًا ونهارًا، من هذه النصوص المحكمة؟
أين من يتكلم في المجالس أو على وسائل التواصل بكلماتٍ يضحك بها الناس، وهي عند الله عظيمة، يجرُّ عليه من السيئات ما لا يعلمها إلا الله؟
نسأل الله العافية والسلامة.
عباد الله، إن الفُحْش في القول ليس علامةً على الجرأة، ولا دليلًا على قوة الشخصية، كما يظن بعض الناس، بل هو نقصٌ في الدين، وسوءٌ في الخلق، وضعف في الإيمان. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر»؛ [متفق عليه].
أيها الأحبة في الله، لقد تجاوز بعض الناس حدود المزاح المقبول إلى التهكم والسخرية واللعن والسباب على أتفه الأسباب، حتى صار الدعاء بالشر عادةً جاريةً على ألسنةٍ كثيرةٍ إلا من رحم الله، تسمع أحدهم يقول: "الله لا يوفقه"، "الله ينتقم منه"، "الله لا يرده"، وربما بلغ الأمر بالبعض إلى لعن الآخرين، بل والعياذ بالله إلى لعن الوالدين أو الأصدقاء على سبيل المزاح، وهما يتضاحكان، والشيطان يضحك معهما وهما لا يشعران ﴿إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ﴾ [الأعراف: 27].
أفيليق بعبدٍ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يدعو على أخيه المسلم بغير حق؟!
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تلاعنوا بلعنة الله، ولا بغضبه، ولا بالنار»؛ [رواه أبو داود وصححه الألباني].
وقال صلى الله عليه وسلم: «إن اللعانين لا يكونون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة»؛ [رواه مسلم].
عباد الله، اللسان سلاح ذو حدَّيْنِ، إن استعملته في الخير رفعك الله به، وإن أطلقته في الشر أهلكك، فليكن أكثر كلامك يا عبد الله تسبيحًا وذكرًا، لا سبًّا ولا شتمًا، واجعل دعاءك للناس بالخير لا بالشر، فإنَّ الكلمة قد تصادف ساعة إجابة، فيُكْتبَ عليكَ وزرها إلى يوم القيامة.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تدعوا على أنفسكم، ولا على أولادكم، ولا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يُسأل فيها عطاء فيستجيب لكم»؛ [رواه مسلم].
فاتقوا الله يا عباد الله، وعلِّموا أبناءكم أدب اللسان، واغرسوا فيهم خُلُق الحياء في الكلام، فإن الحياء والإيمان قرينان، والفحش والبذاء قرينان، لا يجتمعان في قلب المؤمن.
اتقوا الله ربَّكم، وراقبوا أقوالكم، وكونوا ممن قال الله فيهم: ﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ﴾ [الحج: 24].
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.