عند الأزمات والْمَشَاكل وتقلُّب الأمور وضيق العيش يتجلَّى حُسْنُ الظَّن بالله، وهو سببٌ لاستجلاب رضا الله سُبْحَانَهُ وتَعالى، ولا يُوجد في هذه الحياة ما هو أريح لقلب الإنسان، وأهدأُ لروحه،
عند الأزمات والْمَشَاكل وتقلُّب الأمور وضيق العيش يتجلَّى حُسْنُ الظَّن بالله، وهو سببٌ لاستجلاب رضا الله سُبْحَانَهُ وتَعالى، ولا يُوجد في هذه الحياة ما هو أريح لقلب الإنسان، وأهدأُ لروحه، وأسعدُ لنفسه، من حُسْن الظَّن بالله، فيبعده الله عمَّا يؤذي النَّفس، ويُكدِّر البال، فمن كان الله معه؛ فلن يتسلَّل إليه الحُزْن؛ لأن الله يحفظه ويرعاه، فعِنْدَمَا كان صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الغار قَالَ لصاحبه أبي بكر: ﴿ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ [التوبة: 40]، وفي الحديث: ((ما ظَنُّكَ باثنينِ اللهُ ثالثُهُما))؛ [البخاري: 3653]، وهذا تمام حُسْن الظَّن بالله، فماذا حصل لهما؟ يَقُولُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى: ﴿ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 40]،ما أجملَ حُسْنَ الظَّن بالله! وما أسرع نتيجتَه! وقد يغيب هَذَا المبدأ عَلَى أناس فتسُوء حالتهم، فقد روى ابن عبَّاس: ((أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ دَخَلَ علَى رَجُلٍ يَعُودُهُ، فَقَالَ: لا بَأْسَ طَهُورٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقَالَ: كَلَّا، بَلْ حُمَّى تَفُورُ، علَى شيخٍ كَبِيرٍ، كَيْما تُزِيرَهُ القُبُورَ، قَالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: فَنَعَمْ إذًا))؛ [البخاري: 5662]، وهو ما حصل له بالفعل.
الخلاف بين الأزواج جِبِلَّةٌ بشرية، فعندما تواجهنا مُشْكِلة قد نشعُر بالتَّوتُّر والقلق، وأنَّ الأمور تسيرُ عكس ما نُريد، وقد نُسيء الظَّن بما يحصُل لنا مِن أحداث، ويتملَّكُنا اليأس، ونستسلم للمصير… ولو تأمَّلنا مليًّا فيما أصابنا، ويُصيبُنا، لوجدنا أَنَّنَا لا نفهمُ ما يحدثُ من حولنا، فليس كُلُّ ما يُصيبنا من أحداث مؤلمة شرًّا محضًا، فرُبَّما يكون خيرًا، وبعض النَّاس إذا نزل به البلاء، ضاقت به الدُّنيا، وأساء الظَّنَّ بالله، ورأى في نفسه أنَّه مظلوم، وأَنَّ مَن حوله لم يُصب بمثل ما أصيب به! ويقنطُ من رحمة الله، وإساءة الظَّن بالله من أعظم الذُّنُوب، قال ابنُ القيِّمِ: "أعظَمُ الذُّنوبِ عِندَ اللهِ إساءةُ الظَّنِّ به؛ ولهذا توعَّد الله سبحانه الظَّانِّين به ظنَّ السَّوء بما لم يتوعَّد به غيرهم، كما قال تعالى:﴿ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [الفتح: 6]"؛ انتهى.
تخيَّل أخي الكريم أنَّك تُهْتَ في عُمْق الصَّحراء وحيدًا، بلا ماء، ولا طعام، فماذا سيكون شعورك؟ وماذا سيكون ظنُّك بالله؟ هَذَا الموقف عاشته هاجر عليها السَّلَام، عِنْدَما تركها نبيُّ الله إبراهيم عليه السَّلَام، هي وابنها الرَّضيع، في وادٍ غير ذي زرع، ليس به ماء، ولا أنيس، ولا جليس، معها سقاء، وجرابٌ فيه تمر، فولَّى إبراهيم، فتبعته هاجر تسأله: (آللهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟)، قَالَ: نَعَمْ، قَالَتْ: (إِذَنْ لَا يُضَيِّعُنَا)، امتلأ ردُّها بحسن الظَّن بالله؛ لأنها تعرفه في الرَّخاء، والشِّدة. وكاد يموت ابنها من شدَّة العطش، فظلَّت على حُسْن ظنِّها بربِّها، وأخذت بالأسباب، تطوف بين الصَّفا والمروة، تبحثُ عن بصيص مِن الأمل في هذه الصحراء القاحلة؛ فأتاها الجواب من الله، فإذا بالملك يحرِّكُ جناحه، يضرب في الأرض، لينبع ماءً، لا نزال نشرب مِنْهُ حتى الآن، وأرسل لها الله (أفئدة) من النَّاس (تهوي) إليهم، وهذه دعوة إبراهيم عليه السَّلَام لها هي وابنها: ﴿ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ﴾ [إبراهيم: 37].
وفي موقف آخر لإبراهيم عَليهِ السَّلام، يتجلَّى فيه حُسْنُ الظَّن بالله، حينما وُضِع في المنجنيق ليُرمى به في نارٍ عظيمة، حَيثُ أوقدوها، ولم يستطيعوا رمي إبراهيم فيها إلا بهذه الطريقة؛ حتى إنَّ الطُّيور تتهاوى وتسقط فيها؛ لشدة حرارتها، وعظمها، فجاءَه جبريل عليه السَّلَام يَقُولُ له: ألك مِن حاجة -ولا يزال يُحسنُ الظَّنَّ بالله- قَاَلَ له إبراهيم: أما إِلَيْكَ فلا، وأما إلى الله فنعم، ثُمَّ قال: (حسبي الله ونعم الوكيل)؛ فأجابه ملك الملوك بقوله سُبْحَانَهُ: ﴿ قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ [الأنبياء: 69]. فإبراهيم لم يخف مِن النَّار، ولم يُلْقِ لها بالًا؛ لتعلق قلبه، وحسن ظنِّه بربِّه.