الشائعات والغيبةوالنميمة (خطبة)
د. أيمن منصور أيوب علي بيفاري
الخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حمدًا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، الحمد لله أن جعلنا مسلمين، وألَّف بين قلوبنا، فقال عزَّ وجل لنبيِّه صلى الله عليه وسلم: ﴿ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [الأنفال: 62، 63]، الحمد لله أن جعل لأعراضنا حرمةً، فلا يجوز لأحدٍ أن يتعَدَّاها، والصلاة والسلام الأتمَّانِ الأكْمَلانِ على نبينا وحبيبنا محمد بن عبد الله آخى بين المهاجرين والأنصار، وجمع شتات العَرَب والعَجَم على كلمةٍ سواء، ثم أما بعد:
فيا أيها المؤمنون، الإسلامُ جاءَ ليُعَزِّزَ فينا الوحدةَ والأُلْفةَ ويمحو الفرقةَ والنُّفْرَة، جاء الإسلام لنكون على قلب رجلٍ واحد، ولا يسمح ولا يجوز لأي مسلمٍ بأي مُسَبِّبٍ للشقاقِ والنزاعِ والخلاف المذموم والاختلاف المشؤوم. العِزّةُ والكرامةُ هما أساسٌ في حياة المؤمن، وأي تشققٍ في جدار الوحدة على كافة المستويات ابتداءً من دائرة الأسرةِ، وهي أضيقُ الدوائر إلى دائرةِ الأمةِ الإسلامية، وهي الدائرةُ الأوسعُ، قد نهى الإسلامُ عنها وزجر في كتاب الله عز وجل وفي سننِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقواله وأعماله، فالإشاعات التي تُسَبِّب زعزعة الصفوف وإعطاءَ صورةٍ غيرِ صحيحةٍ عن الواقع المشاهد؛ بل قد تُسَبِّبُ سوءَ الظنِّ وقذفَ البريء واتهامَ الـمُحِقِّ ونجاةَ الجاني، قد حرَّمها دِينُنا الإسلامي.
المعلومةُ أيها المؤمن لا تُصَدِّقها ولا تنشرها حتى تأتيك من مصدرها الأصيل، فإذا حَصَلتَ عليها من غير مصدرها فتوقَّف عن تصدِيقها، ولا تنشرها فتكونَ أحدَ الكذَّابين، وقد أخرج مسلمٌ في صحيحه عن المغيرةَ بن شعبة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ»، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كَفَى بالمَرْءِ كَذِبًا أنْ يُحَدِّثَ بكُلِّ ما سَمِعَ»؛ رواه مسلم.
ورُبَّ خبرٍ مكذوبٍ ينشرُهُ أحدُنا عبر الآفاق وعبر وسائل التواصل الاجتماعي المتنوعةِ يَسُرُّ عدوًّا، ويؤلبُ قلوبًا، ويؤججُ ضغينةً وحقدًا وكراهيةً، وقد يُفَرِّقُ بين زوجين وأُسَرًا وأقوامًا، فتريث يا أخي تريَّثْ، وتمهَّل يا مؤمن تمهَّل، فليس كلُّ خبرٍ يُشاعُ حتى لو كان حقيقةً، وليس كلُّ حادثةٍ تقال في كلِّ مجلسٍ، وليس كلُّ قِصةٍ تُذاع وقد يكون في كتمانها غِطاءٌ لسُوئِها بل وآثارها، فقد يكون لإيذاعِها وانتشارها فتنةٌ ليس بالسهلِ إخمادُها، فلنتق الله فيما نرويه، ولنتق الله فيما نقُصُّه ونَحكيه، فمُعظمُ النَّارِ من مُسْتَصْغَرِ الشَّرَرِ، وكفى بكتابِ الله عز وجل زجرًا لمن يتسابق لنشر الشائعات؛ حيث إنَّ بعضَ الناسِ يَسْبِق لسانُهُ سمعَهُ من شغفه لنشر الأخبار وإثارةِ الرأي العام، فقد قال الله عز وجل في حادثة الإفك المكذوبة التي تأذَّى بها بيتُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: ﴿ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 15]، فكأنه يتلقى بلسانه وليس بآذانه، ومن يفعل ذلك فهو عند الله عظيمٌ ليس بالهَيِّن، وقد كِرِه الله لكم أيها المؤمنون: قِيْلِ وقال، كما ذكر ذلك لكم رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم، ومن يسمعْ خبرًا فالأصل أن يستوثق من مصدره الأصيل ويتبين من حقيقته نزولًا عند قول الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [الحجرات: 6].
بارك الله لي ولكم في القرآن والسُّنَّة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والذكر الحكيم.
أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد قال الله عز وجل: ï´؟ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ï´¾ [النور: 19]، ومن أكبر أسباب إشاعة الفاحشة بين الناس النميمةُ والغيبةُ، وكما هما من كبائر الذنوب، فإنهما للأسف ينتشران بين مجالس الناس انتشارَ النار في الهشيم بلا حسبانٍ، نميمةٌ بنقل كلام الناس بعضهم إلى بعض على جهة الإفساد، وغيبةٌ بذكر من يغيب عن المجلس بسوءٍ، سواء كان فردًا أو مجموعةً من الناس.
أيها المؤمن، من عِظَمِ الدِّينِ الإسلامي أنه كما يحفظ حرمةَ المؤمنِ من الاستهزاء والسخرية والهمزِ واللمزِ وهو حاضرٌ بين الناس يحفظُ حرمته أيضًا وهو غائبٌ عنهم، فلا يجوز ذكر امرئٍ يؤمنُ بالله عز وجل بسوءٍ انتقاصًا له وامتهانًا وازدراءً حاضرًا كان أو غائبًا.
وكفى بالنَّمَّام زجرًا أن قال فيه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ نَمَّامٌ»، مَرَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقَبْرَيْنِ، فَقالَ: «إنَّهُما لَيُعَذَّبَانِ، وما يُعَذَّبَانِ في كَبِيرٍ»- يعني في أمرٍ كبيرٍ في نظرنا؛ وإلا هما عند الله كبير بل كبيرةٌ من الكبائر التي تقتضي التوبةَ النصوح-، «أمَّا أحَدُهُما فَكانَ لا يَسْتَتِرُ مِنَ البَوْلِ، وأَمَّا الآخَرُ فَكانَ يَمْشِي بالنَّمِيمَةِ»، وكفى بالغيبةِ انتهارًا أن اللهَ عز وجل قال في الـمُغتاب: ï´؟ وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ï´¾ [الحجرات: 12]، وكلنا يكره أن يأكل لحم أخيه حيًّا كان أو ميتًا، وليس أقبح وصفًا للغيبة والنميمة من قول رسولنا المصطفى صلى الله عليه وسلم: «لما عُرج بي- ليلة الإسراء والمِعراج- مررتُ بقومٍ لهم أظفارٌ من نحاسٍ يَخْمِشُون وجوهَهم وصدورَهم! فقلتُ: من هؤلاءِ يا جبريلُ؟ قال: هؤلاءِ الذين يأكلون لحومَ الناسِ، ويقَعون في أعراضِهم)).
وإلى كلِّ من يتهاون في الغيبة، فإن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم جعلَ لها وصفًا جليًّا واضحًا فقد أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: «أَتَدْرُونَ ما الغِيبَةُ؟ قالوا: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ: ذِكْرُكَ أخاكَ بما يَكْرَهُ. قيلَ: أفَرَأَيْتَ إنْ كانَ في أخِي ما أقُولُ؟ قالَ: إنْ كانَ فيه ما تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وإنْ لَمْ يَكُنْ فيه فقَدْ بَهَتَّهُ». والبهتان أعظم جرمًا وإثمًا وتعديًا.
أيها المؤمنون، فلنتق الله تعالى ولنحفظ أعراضَ الناسِ؛ سواء كانوا موجودين بيننا أم غيرَ موجودين، ولنَذُبَّ عن أعراض المسلمين ونَرُدَّ عنها امتثالًا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «مَن ردَّ عن عِرضِ أخيه ردَّ اللهُ عن وجهِه النَّارَ يومَ القيامةِ»؛ أخرجه الترمذي في سننه وأحمد في مسنده.
واستمعوا إلى نصيحة رسولكم الحبيب المصطفى المجتبى صلوات ربي وسلامُه عليه، فقد أخرج أبو داود في سننه، وأحمد في مسنده عن برزة الأسلمي نضلة بن عبيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ناصحًا ومبلغًا: «يا مَعشَرَ مَن آمَن بلسانِهِ ولم يدخُلِ الإيمانُ قلبَهُ، لا تغتابوا المُسلِمِينَ، ولا تتَّبِعوا عَوراتِهم؛ فإنَّه مَن اتَّبَع عَوراتِهم يتَّبِعِ اللهُ عَوْرتَهُ، ومَن يتَّبِعِ اللهُ عَوْرتَهُ يفضَحْهُ في بيتِهِ».
صلوا وسلموا على من أمركم الله عز وجل بالصلاة والسلام عليه، فقال عزَّ من قائلٍ حكيم: ï´؟ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ï´¾ [الأحزاب: 56].
وتطيبُ دقَّاتُ القلوبِ بذكرهِ
فتفيضُ شوقًا دافئًا وعَمِيْما
هو رحمةُ الرحمنِ أشرقَ بالهُدى
صلُّوا عليه وسلِّموا تسليما
باارك الله فيك وجزاك الله كل خير
طرح قييم ومفيد اشكرك على
ماانتقيت وطرحت
سلمت وسلمت الايااادي
جعله الله فى ميزان اعمالك
تحيتي وتقديري لك بانتظاار جديدك
دمت وبحفظ الرحمن