منتديات أحاسيس الليل

منتديات أحاسيس الليل (http://www.a7-lil.com/vb/index.php)
-   •₪• زاوية حرة •₪• (http://www.a7-lil.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   التغافل، وأخلاق الكبار. (http://www.a7-lil.com/vb/showthread.php?t=35777)

سلطان الزين 12-Oct-2025 09:52 AM

التغافل، وأخلاق الكبار.
 
التغافل، وأخلاق الكبار.


عبدالرحمن بن عبدالله الطريف
@Alturaif_A


بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم


مُعظَمُ النَّاسِ يَسْعَونَ جاهدينَ لتحقيقِ السَّعادةِ والنَّجاحِ، ونَجَاحُ الإنسانِ في حياتِهِ يَكمُنُ في صِدْقِهِ، وإخلاصِه مع رَبِّهِ وتطبيقِه لأحكامِ شَرعِهِ، ومعاشرتِه للنَّاسِ بأحسنِ الأخلاق وأفضلها، وحماية اللسان من الخوض فيما لا يَعني و لا يُغني، لأنّ الرسولَ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قد وجّه المسلمَ لاغتنام طاقاتِه فيما ينفعُه، وتركِ ما يضرُّه، ففي الحديث الصحيح: "مِن حُسْنِ إسلامِ المرءِ تَرْكُه مَا لا يَعنِيهِ" رواه الترمذيّ وحسّنه.

ومن حِرصِهِ – صلى الله عليه وسلم- على غرسِ المحبّةِ والأخوّةِ بين أفرادِ أمّتِهِ قال عليه الصّلاة والسّلام: "مَنْ رأى منكُم مَنكَرًا فليغيِّرهُ بيدِهِ، فإنْ لم يستطِعْ فَبِلسَانِهِ، فإنْ لم يستطِعْ فبقلبِهِ، وذلك أضعفُ الإيمانِ" رواه مسلم.

فقوله عليه الصلاة والسلام "مَنْ رأى" دليلٌ عَلَى أَنَّ الإِنكَارَ مُتَعَلِّقٌ بِالرُّؤْيَةِ، فَلَوْ كَانَ مَسْتُورًا فَلَمْ يَرَهُ، وَلَكِنْ عَلِمَ بِهِ، فالْمَنْصُوصُ عَنْ الإمام أَحْمَدَ-رحمه الله- فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ لا يَعْرِضُ لَهُ، وَأَنَّهُ لا يُفَتِّشُ عَمَّا اسْتَرَابَ بِهِ".

لذا لا يجوز للإنسان أنْ يظنَّ بالنّاس سُوءاً أو أنْ يقولَ فيهم سوءاً ظناً منه أو اعتقاداً في ارتكابهم للمنكر، لأنّ مَنْ "رأى" ليس كمن ظنَّ أو اعتقد، كما أنَّ مِن سلامة الإنسان تغافُلُه عن معاصي الناس وأخطائِهم ما لم يُجاهروا بها. ومن أسباب سلامة الإنسان أيضاً عدمُ التدقيق في كُلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ.

وفي صحيح الجامع ( برقم 7984 و 7985 ) يقول عليه الصلاة والسلام: "من تَتَبَّعَ عورةَ أخيه تَتَبَّعَ اللهُ عورَتَهُ، ومن تَتَبَّعَ اللهُ عورَتَه يَفضَحْهُ ولو في جَوفِ بَيتِهِ".

فاتّقِ اللهَ يا من تَتْبَعُ عوراتِ النّاسِ وفضائِحَهم وتَنْشُرُها في وسائلِ التواصلِ الاجتماعيِّ، وفي غيرِها من المجالسِ والمنتدياتِ، و أعلمْ أنّ مَن تَتبّع عوراتِ النّاس كانَ مِنْ شِرارِ خَلقِ اللهِ، إذ يقول الشاعر:

شرُّ الورى بمساوي النَّاسِ مُشْتَغلٌ ** مثلُ الذُّبابِ يُراعِي موضعَ العللِ

واجعل السّعادةَ الأخرويّةَ هدفاً من أهدافِكَ في هذه الحياةِ ليَستُرَ اللهُ حالَكَ، فلا يُوجد مَنْ ليسَ له عُيوبٌ، واعلم أنَّ كلامَك مكتوبٌ وقولَكَ محسوبٌ، و اسألْ ربَّكَ أنْ يَستُرَ عيوبَكَ.

كانَ الإمامُ مالكٌ بنُ أنسٍ - رحمه الله- يقولُ: أدركتُ بهذه البلدة - يعني المدينة - أقواماً لم تكن لهم عُيوبٌ، فعابوا الناسَ؛ فصارتْ لهم عُيوبٌ. وأدركت بها أقواماً لهم عُيوبٌ، فسكتوا عن عُيوبِ النَّاسِ؛ فنُسيتْ عُيوبُهم". مجموع أجزاء الحديث.

فالسكوتُ عن عيوبِ النَّاسِ من أخلاقِ الكبارِ، مِثْلُهُ مِثْلُ التَّغافُلِ عن سَفَهِ الشَّبابِ وزلاتِهِم، والكَيِّسُ العاقلُ هو الفَطِنُ المتغافلُ عن الزَّلاتِ، وسَقَطَاتِ اللِّسانِ- إذا لم يَتَرَتَّبْ على ذلك مفاسدُ-.

إذا أنت عِبْتَ النَّاس عابوا وأكثروا ** عليك وأبدوا منك ما كان يُسْتَرُ
فإن عِبْتَ قومًا بالذي ليس فيهمُ ** فذلك عنــدَ الله والنّـــَاسِ أكبرُ
وإن عِبْتَ قومًا بالذي فيك مثله ** فكيف يَعِيب العُورَ من هو أعورُ

والإسلامُ أمَرَ بِسَتْرِ عوراتِ المسلمينَ، واتِّقاءِ مواضعِ التُّهَمِ، قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ) [النور: 19].

كما يدعو إلى التَّغافُلِ عن الزَّلاتِ، و إظهارِ عَدَمِ رُؤيَتِها.

ومِنْ فَضَائِلِ التَّغافُلِ مَا رواه الْبَيْهَقِيُّ فِي مَنَاقِبِ الإِمَامِ أحمدَ عَن عُثْمَانَ بن زَائِدَةَ قَالَ: "الْعَافِيَةُ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ تِسْعَةٌ مِنْهَا فِي التَّغَافُلِ". فحدَّثتُ به أحمد بن حنبل فقال: "العافيةُ عشرةُ أجزاءٍ كُلُّهَا في التَّغَافُلِ".

وكَثِيرًا مَا وَصَفَتْ الْعَرَبُ الْكُرَمَاءَ وَالسَّادَةَ بِالتَّغَافُلِ وَالْحَيَاءِ فِي بُيُوتِهَا وَأَنْدِيَتِهَا.

قَالَ الشَّاعِرُ :
نَزْرُ الْكَلامِ مِنْ الْحَيَاءِ تَخَالُهُ ** صَمْتًا وَلَيْسَ بِجِسْمِهِ سَقَـمُ
وَقَالَ آخَرُ:
كَرِيمٌ يَغُضُّ الطَّرَفَ دُونَ خِبَائِهِ ** وَيَدْنُو وَأَطْرَافُ الرِّمَاحِ دَوَانِـي
وَقَالَ كُثَيِّرٌ:
وَمَنْ لَمْ يُغْمِضْ عَيْنَهُ عَنْ صَدِيقِهِ ** وَعَنْ بَعْضِ مَا فِيهِ يَمُتْ وَهْوَ عَاتِبُ
وَمَنْ يَتَطَلّـَبْ جَاهِدًا كُلَّ عَثْرَةٍ ** يَجِدْهَا وَلا يَسْلَمْ لَهُ الدَّهْرَ صَاحِبُ

وفي وصف ابن الأثير-رحمه الله- لصلاح الدين الأيوبي قال: "وكان -رحمه الله- حليماً حَسَنَ الأخلاقِ، ومتواضعاً، صبوراً على ما يَكْرَهُ، كثيرَ التَّغافُلِ عن ذُنُوبِ أصحابِهِ، يَسمعُ من أحدِهم ما يَكْرَهُ، ولا يُعلِمُهُ بذلك، ولا يَتَغَيَّرُ عليه".

وهذه لعمري هي أخلاقُ الكبارِ وسادةِ القَومِ، وعلى الإنسان إذا ما أرادَ أن يعيشَ سعيدًا مسرورًا محبوبًا معدودًا في جُملةِ الكِبارِ أن يتحلَّى بها.

وكانت العربُ تردِّدُ هذا البيتَ كثيرًا:
ليسَ الذكيُّ بسيّدٍ في قومِهِ ** لكنَّ سيّدَ قومِهِ المُتَغَابِي

وفي حديث عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: "جَلَسَتْ إحدى عَشْرةَ امرأةً، فتعاهَدْنَ وتعاقَدْنَ أنْ لا يَكْتُمْنَ من أخبارِ أزواجهنَّ شيئاً. وقالت إحداهن: "زوجي إذا دَخَلَ فَهِد، وإذا خَرَجَ أَسِدَ، ولا يَسْألُ عَمَّا عَهِدَ" رواه البخاريّ في بابِ حُسْنِ المعاشرةِ مع الأهلِ.

ومِنْ صفاتِ الفَهْدِ التَّغَافُلَ.

تذكّرْ -أيٌّها الموفَّق- ما مرّ في يومك وليلتك من مواقف تعاملت فيها مع أهلِك، أو أصدقائِك، أو طلابِك، أو معلميك، أو عامّةِ النَّاسِ، ثم انظرْ هل تَغافلتَ عن أخطائِهم؟ أم حاسبْتَهم عليها حِسابَ الشَّريكِ لشريكِهِ؟

إنْ لم تكنْ قد تغافلتَ عن ذلك فيما مَضَى؛ فلديكَ فيما بقيَ من عُمُرِكَ فُرصٌ جديدةٌ تستحقُّ الاغتنامَ، واغتنامُها يكونُ بالتَّغَاضِي والتَّغافُلِ وغَضِّ الطَّرفِ:
ولسْتَ بمُسْتَبْقٍ أخاً، لا تَلُمُّهُ ** على شَعَثٍ، أيُّ الّرجال المُهَذَّبُ؟
التَّغَافُلُ خُلُقٌ جَميلٌ من أخلاقِ الكِبارِ، وهو من فضل الله الذي يؤتيه من يشاء، فاللهُمَّ ارزقْنا مِنْ وَاسِعِ فَضْلِكَ.

كتبه : عبدالرحمن بن عبدالله الطريف

زهرة الشمس 12-Oct-2025 03:34 PM

رد: التغافل، وأخلاق الكبار.
 
دائما متميز في الإنتقاء
سلمت على روعه طرحك
نترقب المزيد من جديدك الرائع
دمت ودام لنا روعه مواضيعك
لكـ خالص إحترامى

N@gh@m 12-Oct-2025 08:42 PM

رد: التغافل، وأخلاق الكبار.
 
https://j.top4top.io/p_35587xjrh1.png

عبادى 13-Oct-2025 01:18 PM

رد: التغافل، وأخلاق الكبار.
 
طرح جميـــــل ..||
دام التألق ... ودام عطاء نبضك
كل الشكر لهذا الإبداع,والتميز...!!

وبآنتظار روائع جديدك بكل شوق...!
ودي وعبق وردي ..||

غَيْم..! 18-Oct-2025 12:22 PM

رد: التغافل، وأخلاق الكبار.
 
انتقاء جميل
يعطيك العافية على جمال الطرح
ل روحك الفرح ..

روز 21-Oct-2025 02:53 PM

رد: التغافل، وأخلاق الكبار.
 
https://www.sqorebda3.com/vb/attachments/20388/

لمس الروح 28-Oct-2025 11:02 AM

رد: التغافل، وأخلاق الكبار.
 
وهذه لعمري هي أخلاقُ الكبارِ وسادةِ القَومِ،
وعلى الإنسان إذا ما أرادَ أن يعيشَ سعيدًا مسرورًا محبوبًا معدودًا في جُملةِ الكِبارِ أن يتحلَّى بها.

^^


شكرا لك:0d30424e61f1:

اجمل الايام 01-Nov-2025 02:43 PM

رد: التغافل، وأخلاق الكبار.
 
لكم جزيل الشكر

روز 01-Nov-2025 05:28 PM

رد: التغافل، وأخلاق الكبار.
 
سلمت يدآك
على جمآل الطرح وحسن إنتقائك الراائع
دام نبض قلبك وعطائك المتآلق يارب
ودي وتقديري

الحر 11-Dec-2025 04:46 PM

رد: التغافل، وأخلاق الكبار.
 
تسلم كفوفك ..
لطيب الجهد وَ تمُيز العطاء
لاحرمنا الله روائِع مجهوداتك
تقديري


الساعة الآن 09:00 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
HêĽм √ 3.2 OPS BY: ! ωαнαм ! © 2010

جميع ما يطرح في منتديات أحاسيس الليل لا يعبر عن رأي الموقع وإنما يعبر عن رأي الكاتب
وإننــے أبرأ نفســے أنا صاحبة الموقع أمامـ الله سبحانه وتعالــے من أــے تعارف بين الشاب والفتاة من خلال أحاسيس الليل
vEhdaa 1.1 by rKo ©2009