رَاعِي غَنَمَ
31-Oct-2025, 02:30 AM
https://h.top4top.io/p_359008wua1.jpg
كنت راعي غنم من بلاد ينام الغيم فوقها على وعد لا يتحقق
حتى سمعت عن مدينة يقال إن الورد فيها يصلي
وأن النسيم يتوضأ بالعطر قبل أن يمر على الوجوه
الطائف يا بهجة الجبل حين يسدل عباءته على وديانٍ ناعسة
يا نكهة الملبس القديم حين تعانق أصابع الجدات
يا مقاما تنصت فيه المآذن لحديث الحمائم
وتتجلى الأزقة كأنها آيات من سفر العشق الأول
دخلتها راجلا بملح الصحراء على كتفي
وحذاء يعرف رمل الجهات الأربع
كنت غريبا
لكن قلبي كان من أهلها منذ بدء الخلق
كل بيت فيها يشبه نغمة لم تُكملها السماء
وكل امرأة تمر في طرقاتها تترك خلفها ظلا
من ضوء وحكاية من سكر خفيف
هناك عند سفح الهدارأيتها
كانت تمشي كما تمشي الريح على جفون الورد
بعباءة بيضاء يوشحها المساء
بخيوط ندى
وعينين تشبهان فجرا لم يعلن بعد ميلاده
قالوا إنها منآلــ الطائف
من بيت تنشد في أفنيته التلاوات
ويزرع فيه الورد كما تزرع النوايا الطيبة
تعلقت بها كما يتعلق الغيم بسقف الجبال
كنت أرعى الشويهات في أطراف المدينة
لكن قلبي كان يرعى أنفاسها من بعيد
يعد خطواتها كأنه مؤذن عشق
يناديها للصلاة في حقلٍ من الوجد
ذات مساء حين تمايلت مصابيح الشفا
على ركب السحاب
رأيتها عند البئر القديمة
كانت تسقي الورد بيديها
وتهمس بشيء من سورة النور
اقتربت كمن يدخل في حضرة
لا يسمح فيها بالكلام
لم تنظر إلي لكنها شعرت بي
كأن الأرواح تتلامس قبل أن تتعارف الأجساد
تحدثنا بلا حروف
كانت لغتها نفسا من عطر
ولغتي حنينا من رعشة
سألتهاأما تخافين من الوجد
قالت الورد لا يخاف من القطاف
إنه يولد ليؤخذ
ومن يومها
صرت أعود إلى الوادي كل مساء
أحمل لها من صمتي تمرا
ومن دمعي سويقا
ومن رعشي صلاة لا يعرفها أحد سواي
في ليال من سكون معطر
بدهن الورد والسمن البلدي
كنت أجلس قرب موقد صغيرٍ
أُعد لنفسي قرصانا على رائحة الطفولة
وأستعيد وجهها في لهب النار
كما تستعاد الآيات المنسية
وفي ركن منأحاسيس الليل
جلست أكتبها على ضوء الوجد
كأن المنتدى صار محرابا سريا
يجتمع فيه العاشقون ليبوحوا
بما لا يقال في وضح النهار
لكن المدن لا تبقي على السر طويلا
الناس في الطائف يعرفون الورد
كما يعرفون الأخبار
وسرعان ما صار حبي حديث المجالس
حتى جف البئر الذي سقينا عنده الحكاية
ابتعدت
مثل ظل خائف من الضوء
وقالوا إنها تزوجت من رجلٍ تقي
من أهل الحرم
ضحكت وقلت في نفسي
ربما الله أرادها قربه
كما أرادني بعيدا عنها
ومنذ ذلك الحين صرت أرى الطائف
كمقام لا يزار
كمحراب يمنع فيه البوح
أرعى غنمي بين ضواحيها
أشرب من نسيمها وأبكي من طيبها
كأنني آخر العاشقين
الذين لم يتعلموا النسيان
أحيانا حين يهب هواء الهدا في آخر الليل
أسمع صوتها بين الورد يقول
ارجع فقد نضجت الدموع
فأبتسم وأتظاهر أنني لا أسمع
وأكمل السير خلف غنمي نحو الفجر
فقد صرت أعلم أن الورد
إن أزهر في القلب
لا يقطف إلا بالفقد
وهكذا ظللت راعي غنم يسكن المقام الطائفي
بعشق أبدي
يرى في كل زهرةٍ وجهها
وفي كل أذان نداء إليها
وفي كل صباح تجليا جديدا من الورد
الذي لم يمت بعد
أما أنا
فقد صرت أنتمي إلى الطائف بالحنين
وأعيشها في المنام كصلاة لا تنتهي
وحين يسألني الليل عني
أجيبه كنت هناك حيث العشق مقام
والفقد طريق العودة إلى الله
الغياب في محراب خيبة العاشقين
تراني ذاك الحزن الذي يشبه قصص عاد وثمود
يرويها صدى العدم في قلبي العتيق
كأنه سر في محراب غامض
فلا تنطقي الآن
دعي الصمت يكتمل الآن فينا
دعي خيبة العاشقين تسيل
على قبلة سر هذا الغياب
تأملات ..رَاعِي غَنَمَ..®
30/10/2025
كنت راعي غنم من بلاد ينام الغيم فوقها على وعد لا يتحقق
حتى سمعت عن مدينة يقال إن الورد فيها يصلي
وأن النسيم يتوضأ بالعطر قبل أن يمر على الوجوه
الطائف يا بهجة الجبل حين يسدل عباءته على وديانٍ ناعسة
يا نكهة الملبس القديم حين تعانق أصابع الجدات
يا مقاما تنصت فيه المآذن لحديث الحمائم
وتتجلى الأزقة كأنها آيات من سفر العشق الأول
دخلتها راجلا بملح الصحراء على كتفي
وحذاء يعرف رمل الجهات الأربع
كنت غريبا
لكن قلبي كان من أهلها منذ بدء الخلق
كل بيت فيها يشبه نغمة لم تُكملها السماء
وكل امرأة تمر في طرقاتها تترك خلفها ظلا
من ضوء وحكاية من سكر خفيف
هناك عند سفح الهدارأيتها
كانت تمشي كما تمشي الريح على جفون الورد
بعباءة بيضاء يوشحها المساء
بخيوط ندى
وعينين تشبهان فجرا لم يعلن بعد ميلاده
قالوا إنها منآلــ الطائف
من بيت تنشد في أفنيته التلاوات
ويزرع فيه الورد كما تزرع النوايا الطيبة
تعلقت بها كما يتعلق الغيم بسقف الجبال
كنت أرعى الشويهات في أطراف المدينة
لكن قلبي كان يرعى أنفاسها من بعيد
يعد خطواتها كأنه مؤذن عشق
يناديها للصلاة في حقلٍ من الوجد
ذات مساء حين تمايلت مصابيح الشفا
على ركب السحاب
رأيتها عند البئر القديمة
كانت تسقي الورد بيديها
وتهمس بشيء من سورة النور
اقتربت كمن يدخل في حضرة
لا يسمح فيها بالكلام
لم تنظر إلي لكنها شعرت بي
كأن الأرواح تتلامس قبل أن تتعارف الأجساد
تحدثنا بلا حروف
كانت لغتها نفسا من عطر
ولغتي حنينا من رعشة
سألتهاأما تخافين من الوجد
قالت الورد لا يخاف من القطاف
إنه يولد ليؤخذ
ومن يومها
صرت أعود إلى الوادي كل مساء
أحمل لها من صمتي تمرا
ومن دمعي سويقا
ومن رعشي صلاة لا يعرفها أحد سواي
في ليال من سكون معطر
بدهن الورد والسمن البلدي
كنت أجلس قرب موقد صغيرٍ
أُعد لنفسي قرصانا على رائحة الطفولة
وأستعيد وجهها في لهب النار
كما تستعاد الآيات المنسية
وفي ركن منأحاسيس الليل
جلست أكتبها على ضوء الوجد
كأن المنتدى صار محرابا سريا
يجتمع فيه العاشقون ليبوحوا
بما لا يقال في وضح النهار
لكن المدن لا تبقي على السر طويلا
الناس في الطائف يعرفون الورد
كما يعرفون الأخبار
وسرعان ما صار حبي حديث المجالس
حتى جف البئر الذي سقينا عنده الحكاية
ابتعدت
مثل ظل خائف من الضوء
وقالوا إنها تزوجت من رجلٍ تقي
من أهل الحرم
ضحكت وقلت في نفسي
ربما الله أرادها قربه
كما أرادني بعيدا عنها
ومنذ ذلك الحين صرت أرى الطائف
كمقام لا يزار
كمحراب يمنع فيه البوح
أرعى غنمي بين ضواحيها
أشرب من نسيمها وأبكي من طيبها
كأنني آخر العاشقين
الذين لم يتعلموا النسيان
أحيانا حين يهب هواء الهدا في آخر الليل
أسمع صوتها بين الورد يقول
ارجع فقد نضجت الدموع
فأبتسم وأتظاهر أنني لا أسمع
وأكمل السير خلف غنمي نحو الفجر
فقد صرت أعلم أن الورد
إن أزهر في القلب
لا يقطف إلا بالفقد
وهكذا ظللت راعي غنم يسكن المقام الطائفي
بعشق أبدي
يرى في كل زهرةٍ وجهها
وفي كل أذان نداء إليها
وفي كل صباح تجليا جديدا من الورد
الذي لم يمت بعد
أما أنا
فقد صرت أنتمي إلى الطائف بالحنين
وأعيشها في المنام كصلاة لا تنتهي
وحين يسألني الليل عني
أجيبه كنت هناك حيث العشق مقام
والفقد طريق العودة إلى الله
الغياب في محراب خيبة العاشقين
تراني ذاك الحزن الذي يشبه قصص عاد وثمود
يرويها صدى العدم في قلبي العتيق
كأنه سر في محراب غامض
فلا تنطقي الآن
دعي الصمت يكتمل الآن فينا
دعي خيبة العاشقين تسيل
على قبلة سر هذا الغياب
تأملات ..رَاعِي غَنَمَ..®
30/10/2025