المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ::: وقفة مع سورة المزمل ::::


ورد
28-Nov-2023, 01:24 AM
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين المبعوث رحمة للعالمين محمد بن عبدالله ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد :
فإن أول ما نزل من القرآن الكريم على الإطلاق سورة (اقرأ) ، التي تحث في مجمل آياتها على فضل العلم وتعلمه ، ذلك العلم الباعث على الهدى ، والمعين عليه ، وهو العلم عن الله المبلغ عن طريق رسوله عليه الصلاة والسلام ؛ أمرًا ونهيًا وتوحيدًا ، ولعبادته على الوجه الذي أمر به والاستقامة عليه.

ثم نزلت سورة المدثر (قم فأنذر) ؛ فبعد العلم تكون الدعوة إليه ونشره ، وهو محض فريضة على عباد الله ؛ فمنهم من يُعلم العلم ، ومنهم من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ؛ فهو ليس أمرًا اختياريًّا إن شاء العبد فعله وإن شاء تركه ؛ لقوله تعالى في سورة فصلت : {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33] وقوله تعالى في سورة آل عمران : {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون}
[آل عمران: 104]

والعلم والدعوة إليه متلازمان لا ينفكان ؛ فلا يفتر المؤمن عن الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خلال رحلة حياته ، التي يستمر بها متعلمًا وعاملًا ، عابدًا وداعيًا .

ومما يطرأ على العباد بمختلف مشاربهم وتعدد مستويات علمهم ودعوتهم : نوازع النفس وحظوظها ، التي تدعوهم إلى العجب بعد ثناء الناس عليهم أو إعجابهم بأنفسهم ؛ فتجد العالم والمتعلم منهم على حد السواء منخرطًا في الدروس والمحاضرات والأنشطة والفعاليات ، وهو فضل كبير بلا شك ، إلا أن هذا الفضل قد تشوبه شوائب الرياء أو العُجب ؛ فالنية - ومحلها القلب - متقلبة ، والثبات والإخلاص مطلب عزيز ظفر به من منَّ الله عليه من صفوة عباده ، الذين راقبوا الله سرًّا وعلانية ، واجتهدوا بعد الاستعانة به عز وجل في تحقيق هذا المطلب العظيم .

وفي سورة المزمل إشارات عظيمة إلى هذه المعاني وأحوال المؤمن مع الإخلاص ( قُمِ الليْلَ إلَّا قَلِيلًا )؛ فمن ذا الذي يقوى على قيام الليل بعد نهار طويل من الكد أو التعلم والتعليم والدعوة ، وقد رأى أنه أحسن عمل نهاره فاكتفى به ؟!

ومن ذا الذي يقوى على تلك العبادة التي لا رياء يشوبها ولا ثناء عليها ولا تشجيع من العباد معها ؛ فترى المؤمن يتخفى فيها ليخلو بربه ويناجيه ؛ فلا عين تبصره ولا لسان يشكره إلا عين الله تعالى .

فالإخلاص الذي يزمل المؤمن ليلًا في وقت السكون والركون ، والذي يدعوه إلى هجر فراشه وترك التلذذ بالراحة وتحقيق أجلِّ معاني العبودية في قيام الليل وإحيائه بالصلاة والذكر وترتيل القرآن ( وَرَتِّلِ الْقُرآنَ تَرْتِيلًا ) .

فشرف المؤمن قيامه بالليل ، وقد أثنى الله تعالى في مواضع كثيرة من كتابه المجيد على قوام الليل المتعبدين فيه : {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18)} [الذاريات]

وهنا تتجلى فضيلة ذكر الله على سائر الأعمال التعبدية ؛ لما كان حظها من الرياء كاد أن يكون معدومًا ؛ فخير العبادة ما كان مستترًا عن عيون الخلق كما جاء في الأخبار عن المتصدق الذي لا تعلم شماله ما تنفق يمينه .

وقيام الليل يورث نورًا في القلب ، وسكينة في الجوارح ، واطمئنانًا يغمر صاحبه ؛ فبه تتحقق العبودية الخالصة ، وبه يُستعان على شدائد الأمور ومصاعب الدعوة وطريقها الوعر ؛ لذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أكثر الناس قيامًا في الليل ، وكان ذلك متوافقًا مع كونه أشد الناس همًّا وأثقلهم حملًا للدعوة والتبليغ .

{إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6)} [المزمل] فهذا القرآن الكريم ثقيل بثقل كلام الله عز وجل وما يحمله من شرائع ، المتمثلة بالفرائض والحدود والأوامر والنواهي ، وما يتطلبه من مجاهدة للنفس والشيطان للقيام به ليلًا ، وقال ابن المبارك : " إن ما ثَقُل في الدنيا يُثقل الميزان يوم القيامة " . ( أشد وطئًا ) أي أشد استقامة واستمرارًا على الصواب .

{إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيل} [المزمل: 7] والسبح - كما جاء في القرطبي - الجري والدوران ، أي فلك يا محمد ولقومك معك في النهار ما يشغلكم من أمور الحياة والسعي في الأرض من طلب رزق أو دعوة ذهابًا ومجيئًا ، أفلا يكون لنا بعد هذا الخطاب والوقوف على بعض أسراره حظ من عبادة السر وتحصيل الشرف ليلًا ؟!

الحقيقة أن لسورة المزمل شجونًا طويلة في نفوس المؤمنين ، والفوائد منها كسائر سور القرآن الكريم لا تنقطع ، وللسورة وقفات وأسرار قد يضيق بنا المجال في الوقوف عليها جميعًا ، وبما سبق نكتفي سائلين المولى عز وجل أن يجعلنا من أهل الشرف والعزة أصحاب الخلوات المباركة بقيام الليل وإحيائه بالذكر ، والتزمل بردائه الساتر عن بواعث الرياء ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

عشق
28-Nov-2023, 06:06 AM
جُزاكّ الله خُير علىّ مُـا قُدمتّ
ورزُقكّ بُكُل حَرف خّطتهَ أناملكّ جُزيل الحُسناتّ

الحر
28-Nov-2023, 09:20 AM
سَلِمت الأنَامل المُتألِقة لِروعة طَرحها
دَام الحضُور والعطَاء

غَيْم..!
28-Nov-2023, 03:40 PM
جزاك الله خير
وجعله في ميزان حسناتك ..

حـُـلم
29-Nov-2023, 01:02 AM
طرح قيم
جزاك الله خير الجزاء

AL-PRINCE
29-Nov-2023, 08:23 AM
أَسْعَدَ اللهُ أَوََقَاتُكُمْ بِكُلُّ خَيْرٍ..
دَائِمَا تَبْهَرُونَا بَمَوٍآضيعكم
الَّتِي تَفُوٍح مِنْهَا عِطْرَ الْإِبْدَاعِ وَالتَّمَيُّزِ،
لَكَم الشُّكْرُ مِنْ كُلُّ قَلْبِيٍّ.
http://media.tumblr.com/tumblr_m2t0tlS78c1qbs47q.gif

ورد
29-Nov-2023, 01:27 PM
يسعدني ويشرفني مرووركم العطر

لكم مني اجمل باقات الشكر والتقدير

http://i1333.photobucket.com/albums/w627/forumgazel/0_78b84_c865d93b_L_zps34a07856.gif

نَبض
29-Nov-2023, 08:56 PM
::

بارك الله فيك

N@gh@m
30-Nov-2023, 06:22 AM
https://up6.cc/2023/11/170053400803981.png

ورد
30-Nov-2023, 04:35 PM
يسعدني ويشرفني مرووركم العطر

لكم مني اجمل باقات الشكر والتقدير

http://i1333.photobucket.com/albums/w627/forumgazel/0_78b84_c865d93b_L_zps34a07856.gif

الجادل
30-Nov-2023, 08:36 PM
..


يعطيك العافيه
طرح في قمة الذوق
لاعدمناك

..

متيم
02-Dec-2023, 12:27 AM
جزاك الله خير جزاء
ونفع بما قدمتي
ودي

نبُض جآمح ❥
17-Dec-2023, 03:45 PM
-







جزاك الله خيرا
وجعله في ميزان حسناتك

الراقية ♔
03-Feb-2024, 12:36 PM
جزاك الله كل خير
وبارك الله فيك

اسير الذكريات
15-Jun-2025, 02:09 AM
..




جزاك الله خيرا
طرح رائع يحمل الخير بين سطوره
ويحمل الابداع في محتواه
سلمت يمينك
دمت بكل خير
http://up.3dlat.com/uploads/3dlat.com_14025248457.gif