تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا


كبرياء
06-Oct-2022, 10:35 AM
زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا

د. خالد سعد النجار

بسم الله الرحمن الرحيم

زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (212)
ومناسبة هذه الآية لما قبلها في قوله تعالى: {سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} أنه لما ذكر أن بني إسرائيل أتتهم آيات واضحة من الله تعالى، وأنهم بدلوا، أخبر أن سبب ذلك التبديل هو الركون إلى الدنيا، والاستبشار بها، وتزيينها لهم، فلبني إسرائيل من هذه الآية أكبر حظ لأنهم كانوا يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً، ويكذبون على كتاب الله، فيكتبون ما شاءوا لينالوا حظاً خسيساً من حظوظ الدنيا، ويقولون: "هذا من عند الله".
{زُيِّنَ} جَعْلُ الشَّيْءِ زَيْنًا، والزين شدة الحسن، ومعنى تزيين الحياة لهم، إما أن ما خلق زينا في الدنيا قد تمكن من نفوسهم واشتد توغلهم في استحسانه، لأن الأشياء الزينة هي حسنة في أعين جميع الناس فلا يختص الذين كفروا بجعلها لهم زينة كما هو مقتضى قوله: {لِلَّذِينَ كَفَرُوا}؛ فإن اللام تشعر بالاختصاص، وإما ترويج تزيينها في نفوسهم بدعوة شيطانية تحسن ما ليس بالحسن.
والمزين على المعنى الأول هو الله تعالى إلا أنهم أفرطوا في الإقبال على الزينة، والمزين على المعنى الثاني هو الشيطان ودعاته.
قال ابن عثيمين: والمزَيِّن إما أن يكون الله، كما في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ} [النمل:4]؛ وإما أن يكون الشيطان؛ لقوله تعالى: {وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ} [النمل: 24]؛ ولا منافاة بين الأمرين؛ فإن الله زين لهم سوء أعمالهم؛ لأنهم أساءوا، كما يفيده قوله تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف:5]؛ والتزيين من الله باعتبار التقدير؛ أما الذي باشر التزيين، ووسوس لهم بذلك فهو الشيطان.
{لِلَّذِينَ كَفَرُواْ} ذمهم وحذر من خلقهم، ولهذا لزم حمل التزيين على تزيين يعد ذما، فلزم أن يكون المراد منه تزيينا مشوبا بما يجعل تلك الزينة مذمة، وإلا فإن أصل تزيين الحياة الدنيا المقتضي للرغبة فيما هو زين أمر ليس بمذموم إذا روعي فيه ما أوصى الله برعيه، قال تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [لأعراف:32]. {الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} مأخوذة من الدنو الذي هو ضد العلو؛ ووصفت هذه الحياة بالدنيا لوجهين: الأول: دنوّ مرتبتها ... الثاني: سبقها على الآخرة
فهي أدنى منها لقربها، ودنوّ منزلتها؛ أما قربها وهو سبقها على الآخرة فظاهر معلوم لكل أحد؛ وأما دنوّ مرتبتها فلقول الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لموضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها) [أحمد]؛ وموضع السوط مقدار متر تقريباً.
{وَيَسْخَرُونَ} يستهزئون {مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ} وذلك لفقرهم، أو لضعفهم وقلة عددهم، أو لاتباعهم لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أو لاتهامهم إياهم أنهم مصدّقون للرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وهذه حالة أعجب من التي قبلها وهي حالة التناهي في الغرور؛ إذ لم يقتصروا على افتتانهم بزهرة الحياة الدنيا حتى سخروا بمن لم ينسج على منوالهم من المؤمنين الذين تركوا كثيرا من زهرة الحياة الدنيا لما هداهم الدين إلى وجوب ترك ذلك في أحوال وأنواع تنطوي على خبائث.
{وَالَّذِينَ اتَّقَواْ} المؤمنون الذين سخر منهم الذين كفروا؛ لأن أولئك المؤمنين كانوا متقين، وكان مقتضى الظاهر أن يقال: "وهم فوقهم" لكن عدل عن الإضمار إلى اسم ظاهر لدفع إيهام أن يغتر الكافرون بأن الضمير عائد إليهم ويضموا إليه كذبا وتلفيقا.
وقوله {وَالَّذِينَ اتَّقَواْ} ليظهر أن السعادة الكبرى لا تحصل إلا للمؤمن المتقي، ولتبعث المؤمن على التقوى، وليزول قلق التكرار لو قال: "والذين آمنوا"، لأن قبله: الذين أمنوا.
{فَوْقَهُمْ} فوقية تشريف {يَوْمَ الْقِيَامَةِ} قيدت بيوم القيامة تنصيصا على دوامها، لأن ذلك اليوم هو مبدأ الحياة الأبدية.
ولم يبين هنا طبيعة فوقية هؤلاء المؤمنين على هؤلاء الكفرة، ولكنه بين ذلك في مواضع أخر كقوله تعالى: {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ، عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ} [المطففين:34-35]. وقوله: {أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} [الأعراف:49] فالقيامة قال الله تعالى فيها: {خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ} [الواقعة:3] لأن المؤمنين في عليين، والكفار في سجين.
{وَاللّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} أي بغير نهاية، لأن ما لا يتناهى خارج عن الحساب، أو يكون المعنى: أن بعضها ثواب وبعضها تفضيل محض، فهو بغير حساب.
وقد شاعت هذه الكناية في كلام العرب كما شاع عندهم أن يقولوا: "يعدون بالأصابع ويحيط بها العد" كناية عن القلة، ومنه قولهم: "شيء لا يحصى" ولذلك صح أن ينفى الحساب هنا عن أمر لا يعقل حسابه وهو الفوقية.
وهو تذييل قصد منه تعظيم تشريف المؤمنين يوم القيامة، لأن التذييل لا بد أن يكون مرتبطا بما قبله، فالسامع يعلم من هذا التذييل معنى محذوفا تقديره: والذين اتقوا فوقهم فوقية عظيمة لا يحيط بها الوصف، لأنها فوقية منحوها من فضل الله، وفضل الله لا نهاية له، ولأن سخرية الذين كفروا بالذين آمنوا أنهم سخروا بفقراء المؤمنين لإقلالهم.

احساس عاشق
06-Oct-2022, 02:53 PM
سّلّمّتّ اّلّاّنّاّمّلّ اّلّتّيّ خّطّتّ هّذاّ اّلّجّمّاّلّ
وّنّسّجّتّ مّنّ اّلّاّحّرّفّ بّدّيّعّ اّلّلّوّحّاّتّ
دّاّمّ عّطّاّئّكّ اّلّعّذبّ
وّدّمّتّ نّجّمّ لّاّمّعّ
وّدّيّ وّتّقّدّيّرّيّ وّاّحّتّرّاّمّيّ
كّاّاّنّ هّنّاّاّاّ
اّحّسّاّسّ عّاّشّقّ

عشق
06-Oct-2022, 07:42 PM
جُزاكّ الله خُير علىّ مُـا قُدمتّ
ورزُقكّ بُكُل حَرف خّطتهَ أناملكّ جُزيل الحُسناتّ

نَبض
06-Oct-2022, 10:19 PM
::



بارك الله فيك

وليفة الروح
07-Oct-2022, 09:10 AM
بارك الله فيكم
وجزاكم الله خير

غَيْم..!
07-Oct-2022, 11:06 AM
جزاك الله خير
وجعله في ميزان حسناتك

الحر
07-Oct-2022, 11:40 PM
جزاك الله خير
وكتب الله أجرك وبارك الله فيك

N@gh@m
08-Oct-2022, 08:04 AM
https://c.top4top.io/p_2439thc4s1.png

سرالهوى
09-Oct-2022, 02:12 AM
طرح قيم ومفيد
وجعل كل ماطرح في ميزان حسناتك
جزاك الله خير.

ورد الياسمين
09-Oct-2022, 10:30 PM
بارك الله فيك
و جزاك الخير كله

متعب
10-Oct-2022, 07:52 AM
جزاك الله خيـر
وبارك الله في جهودك
وأسال الله لك التوفيق دائماً
وأن يجمعنا الله وأياكم
على الود والإخاء والمحبة
تحياتي لك

فرح
13-Oct-2022, 12:48 PM
الله يعطيك العافية

حـُـلم
14-Oct-2022, 12:31 AM
طرح قيم
جزاك الله خير الجزاء

سلطانة الزين
16-Oct-2022, 06:17 PM
جزاك الله كل الخير

كبرياء
16-Oct-2022, 11:51 PM
جزاكم الله خير
وتقبل منا ومنكم الاجر والثواب

* السلطان *
17-Oct-2022, 10:35 AM
بارك الله فيك

وجزاك الله

كل خير

عطر المساء
07-Nov-2022, 10:34 PM
جزاك الله خيراً الجزاء على انتقائك القيم
وجعلها ربي في ميزان حسناتك
وفي انتظار المزيد

http://forum.tawwat.com/images-topics/images/fa/0003.gif

اسير الذكريات
20-Jul-2023, 10:41 PM
..






جزاك الله خيرا
طرح رائع يحمل الخير بين سطوره
ويحمل الابداع في محتواه
سلمت يمينك
دمت بكل خير
http://up.3dlat.com/uploads/3dlat.com_14025248457.gif

الجادل
20-Jul-2023, 11:33 PM
،



طرح راقي وجميل
سلمت الايادي
لاعدمناك

،